الكنز العراقي المفقود

 

 

النظام السياسي الذي يرغب في بناء اقتصادي أمثل بإمكانه استثمار الطاقات والكنوز الموجودة حوله في الداخل ،كنت في محاضرة القاها أحد المصرفيين الأمريكان وهو يحمل شهادة بروفسور في العلوم المالية والمصرفية حين ذكر وجود كنز بمتناول يدنا يمكننا من خلاله ان نعيد بناء البنى التحتية العراقية واعادة المصانع وتاهيلها وتنشيط الحرف الصغيرة وتمويل كل المشاريع الزراعية دون الحاجة إلى الاستدانة الخارجية ،كل افكارنا انصرفت إلى الموارد النفطية والمعادن الموجودة في العراق ،حيث لاتوجد صناعة في تلك الفترة وتوقف الانتاج الزراعي تماما يمكننا ان نعتمد عليها ….ابتسم الأستاذ وبمعادلة بسيطة أوضح وجهة نظره في استثمار الأموال الموجودة في بيوت العراقيين دون الاستفادة منها من خلال تشجيع الودائع المصرفية والتي ينتج عنها حركة اقتصادية كبيرة فهذه الأموال تبلغ المليارات بل ترليونات يمكننا جذبها إلى المصرف من خلال اعتماد فائدة مصرفية معقولة ،ولكننا تصرفنا العكس فهُرِّبت هذه الأموال إلى الخارج .

لقد اعادت الحكومة الإيرانية النظر في قوانينها الداخلية التي كانت تمنع المصارف من فتح حسابات للأجانب وتلافيا لمتطلبات الحصار تم تغيير هذا القانون وصارت تسمح للمصارف بجذب هذه الودائع وخصوصا من العراق حيث طرحت المصارف الإيرانية معدل فائدة تنافسي لايضاهى وهو 25 بالمئة الأمر الذي جعل الفرد العراقي البسيط ينتبه إلى حجم الفائدة فسارع لفتح حساب له في احد هذه المصارف دون الوقوف على مدى رصانة هذه المصارف والضمانات التي تقدمها لهم الحكومة الإيرانية في الحفاظ على أموالهم من السرقة في حالة اشهار افلاس هذه المصارف،خصوصاً أن ظاهرة اشهار الافلاس في المصارف الأهلية الإيرانية صارت ظاهرة ،وكما حدثني أحد التجار الإيرانيين المخضرمين .. لقد تسببت هذه الظاهرة وأقصد بها (هجرة رأس المال العراقي) إلى الجوار العراقي (اردن ،إيران) في حرمان العراق من مصدر تمويل مهم للخزينة العراقية وتوقفت المصارف العراقية عن مهمتها الأصلية وهي عملية خلق النقود وتحولت هذه المصارف إلى مخزن للنقود الواردة من الخزينة لغرض توزيعها على الأفراد ، لقد صرح قبل أيام المستشار المالي لرئيس الوزراء حول اعادة هيكلية المصارف الحكومية العراقية ،بأعتبارها مصارف فاشلة ولم تقدم خدماتها بشكل يتلاءم مع حجم رؤوس الأموال التي موجودة فيها فهي تقدم (5) خدمات من مجموع (45) خدمة تقدمها المصارف في الدول المجاورة، ولاأعرف مالذي منعه من تنفيذ هذه الإصلاحات منذ كان نائبا لمحافظ البنك المركزي العراقي وحتى الآن .

لقد حرمت هذه الهجرة الموازنة العراقية من مردودات مالية هائلة كان من الممكن ان تساهم في زيادة الاحتياطي العراقي لدى البنك المركزي وتساهم في رفع مستوى الدينار العراقي والقوة الشرائية له مقابل العملات الأجنبية .. المؤسسة المصرفية الحكومية هي من تسببت في هذه الحالة وحرمت العراق من هذه الأموال بل وشجعتها على الهجرة فالمواطن يعاني بشدة عند فتح حساب جاري او توفير وعند الايداع يعاني في الاجابة على اسئلة كثيرة عن مصدر المال وعائديته واسئلة يجب ان لاتسأل للمواطن على فرض ان ملكية المال هي بالحيازة ،وعند عمليات السحب كذلك يعاني المواطن من مشكلتين الأولى اعادة نفس الاسئلة عند الإيداع والثانية حيث يصطدم بعدم توفر سيولة نقدية لدى المصرف .. في عملية هجرة رأس المال ستتعرض الأموال العراقية للضياع في حالة قيام المصارف الخارجية باشهار افلاسها ولاتوجد ضمانات اكيدة من قبل المصارف او الحكومات بضمان هذه الأموال والحفاظ عليها .وبذلك سيخسر المواطن العراقي امواله ويحرم من الانتفاع بها وكذلك السوق العراقية تخسر هي الأخرى بتهريب هذه الاموال إلى الخارج.