القرعاء وأم الشعر

 

لا يستوي العالم ولا الجاهل.

 

نقيضان لا يلتقيان معاً.

 

لا يستوي العاقل مع المجنون.

 

الاول عنده ذخيرة الحياة والثاني افتقدها.

 

والنقائض في حياتنا كثيرة..

 

الرجل الشريف ند للرجل الفاسد.

 

والرجل الفاسد من جهة اخرى ند للرجل الشريف. والاثنان بشر لهما عينان وانف وفم واذنان ورجلان ويدان وقلب واوعية واعصاب، ولكنهما يختلفان في العقل والضمير.

 

ولعل اقرب مثل الى اذهاننا في التناقض هو المقولة الشعبية (القرعة وام الشعر) فالقرعاء بين النساء منبوذة لان جمال وجه المراة في شعرها وهو ينسدل يميناً ويساراً وقد تفنن الشعراء في وصف شعر المرأة وجماليته وطوله، اما القرعاء فلا يلتفت اليها احد ولا يحن عليها شاعر ببيت شعر واحد!

 

وهذا المثل يضربه الناس حين تتساوى القرعاء وام الشعر للسخرية من واقع مرير يعيشونه حيث تضيع المقاييس المطلوبة اجتماعياً، ويختلط الخير بالشر والابيض بالاسود والضحكة بالدموع والحزن بالفرح والمتعلم بالجاهل، وضياع المقاييس ينتج حالات من الكآبة المجتمعية وانحلال الذوق العام وصعود غير الموهوبين الى سدة الحياة وبقاء الموهوبين رهناء بيوتهم بلوكون الحصى ويتأسفون على ما وصل اليه الحال.

 

استذكر معكم هنا ما ذكره ابن خلكان عن الشاعر القاضي عبد الوهاب المالكي البغدادي قائلاً:

 

اذا استوت الاسافل والاعالي

 

                  فقد طابت منادمة المنابا

 

وان ترفع الوضعاء يوماً

 

          على الرفعاء من احدى الرزايا.

 

وها هي الرزايا تفرخ رزايا. وها هم الوضعاء يعتلون عروش الرفعاء، وها هي الاسافل تتساوى مع الاعالي حيث تكون منادمة المنايا هي السبيل الامثل للخلاص من هذه الافات.

 

نحن لا نبحث عن مجتمعات مثالية خالصة فلا بد من سواءات هنا وهناك في حالات نادرة، ولكن تسيد السوء في حياتنا من اكبر المشاكل التي يعاني منها الاسوياء من البشر، فانتشار المخدرات بين اوساط الشباب وضياع الفرص الاخلاقية السلمية في استحصال المال، جعل القرعاء تتفوق على ام الشعر، بل وجعل منها سيدة في المجتمع بعد تنكرت في ازياء جديدة وارتدت عشرات الباروكات، لكل يوم باروكة، ولكل حفلة باروكة، ولكل جلسة باروكة، وبالالوان حيث صارت اجمل من ام الشعر واكثر حلاوة في نظر الناس!