نحو مؤتمر وطني لدرء المخاطر عن بلدنا

 

لم يمر العراق طيلة تاريخه السياسي الحديث بوضع معقد وقابل للانفجار وتشظي الدولة كما هو عليه اليوم، ولكي يكون المرء واضحا وصادقا مع نفسه وشعبه عليه في هذه الاوقات العصيبة تحديدا ان يبتعد كليا عن المجاملة السياسية، وهذا ما لا نجده في اوساط السياسيين والكثير من المثقفين العراقيين الذين اصبح ديدنهم هو توجيه التهم الى اطراف تتقاطع معهم اما طائفيا او قوميا، بعد ان انزوت الروح الوطنية نتيجة فشل القوى السياسية المهيمنة في حل مشكلات البلد بعيدا مقابل نمو النزعات الطائفية والقومية.

ان الازمة الشبه مستعصية اليوم ليست وليدة اللحظة قدر ما هي تراكم كمي ونوعي لسلسلة من المشكلات اوجدتها ظروف سياسية معقدة مرت بها البلاد لقرابة التسعة عقود من عمرها، ولترسم خلال العقد الاخير نتيجة الاحتلال وتدخلات الدول الاقليمية خارطة جديدة حملت تباشير تدمير الدولة بعد ان عجزت القوى السياسية المتنفذة عن تبني مشروع وطني عابر للطوائف والقوميات، لتعود بطبيعة علاقاتها مع مجموع الشعب العراقي الى عصر ما قبل الدولة لتحتمي بطوائفها وعشائرها ومؤسساتها الدينية بعد ان كرست نظاما سياسيا لم تستطع لليوم ايجاد تعريف حقيقي له، في ما اذا كان نظاما للشراكة الوطنية ام نظاما للمحاصصة الطائفية القومية.

ان الابتعاد عن المجاملة السياسية المؤذية جدا في هذا الظرف الحساس من عمر الوطن يدعونا ان نشير الى عناصر الازمة بصوت عال ونحملها المسؤولية عما حدث ويحدث، فكلنا مسؤولون بهذا القدر او ذاك عما يجري، وكلنا مسؤولون بهذا القدر او ذاك عن الدم العراقي الذي يراق يوميا. ولكن حجم المسؤولية ومساحتها يختلفان من طرف الى آخر. وتبقى القوى المهيمنة على المشهد السياسي العراقي اليوم بما لها من امكانيات عززها تواجدها في السلطة تتحمل القسط الاكبر من المسؤولية. وهي قوى الاسلام السياسي الشيعي على الرغم من خلافاتها الظاهرية، والقائمة العراقية "المفككة" بتياراتها الاسلامية السنية والقومية والبعثية، والكورد في اقليمهم شبه المستقل، يضاف اليهم قوى التيار الديموقراطي التي بقيت خلال السنوات العشر الاخيرة ممثلة للنخبة الحالمة بالتغيير دون ان توفر لنفسها مساحات الحركة في المجتمع الذي كان ولا يزال بحاجة ماسة الى صوته في التغيير الحقيقي بالعملية السياسية، لتخطو نهاية الامر خطوة جريئة جنت ثمارها وان كانت دون الطموح المطلوب والمشروع.

لقد اثبتت الاحداث وبشكل ملموس ان القوى المتنفذة الثلاث لن تستطيع ايجاد مخرج للازمات المتعددة التي يمر بها البلد، كونها وببساطة شديدة مستنسخة لهذه الازمات وتغذيها في منعطفات سياسية تنتقيها بدقة. ولم يحدث ان اتفقت هذه القوى فيما بينها على اية مسألة وغالبا ما كان الاتفاق بينها على شكل اثنين ضد واحد، فاذا تحالف الكورد والشيعة كان السنة خارج اللعبة، واذا تحالف الشيعة مع السنة كان الكورد خارج اللعبة وهكذا، في عملية سياسية اشبه ما تكون بلعب الصبيان في الحواري. وكنتيجة للصراع العقيم بين هذه القوى وخصوصا الشيعية والسنية وتأثيرها على حياة الناس بل وتهديد وجودهم رأينا مقاطعة واسعة من الجماهير وصلت لاكثر من 50% لانتخابات مجالس المحافظات الاخيرة، والذي يعتبر بحد ذاته استفتاءا شعبيا رافضا لوجود هذه القوى في السلطة مستهزءا بها وبانتخاباتها على الرغم من خطأ عدم مشاركتها وتصويتها لبديل عنها.

واليوم والعراق على مفرق طرق خطير قد يؤدي الى حرب طائفية جديدة اكثر بشاعة وقسوة ووحشية من سابقتها، فان انعقاد مؤتمر وطني واسع يضم اضافة الى احزاب السلطة التي فشلت لليوم في الجلوس الى دائرة مستديرة ، قوى التيار الديموقراطي وممثلين عن النقابات والمكونات العراقية والمؤسسات الدينية، وجميع القوى السياسية المؤمنة بالعملية السياسية وتطويرها اصبح امرا ضروريا بل ومطلوبا على وجه السرعة. ان تعالي بعض الاحزاب ورفضها لمثل هذا المؤتمر والذي دعت اليه بعض القوى السياسية منذ فترة ليست بالقصيرة واصرارها على ان تكون الاجتماعات بين احزاب السلطة نفسها، اثبتت فشلها الكبير في عدم فهمها لحركة الواقع السياسي، واستمرار هذا الرفض والتعالي لن يخدم العملية السياسية المهددة بالانهيار في اية لحظة نتيجة فعل احمق من اي طرف. ان عقد المؤتمر الوطني الواسع يعتبر اليوم ضرورة ملحة من اجل تجاوز المخاطر التي تهدد بلدنا وشعبنا، فلنعمل جميعا من اجل هزيمة قوى الشر التي تكالبت على بلدنا وتقوده نحو الهاوية.