عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ (٢٢)

                         

   اذا سأَل أَحدٌ؛ ما هو الفرق الجوهري بين مدرسة أهل البيت (ع) والآخرين؟! ما الذي يُميّزهم عن غيرهِم؟!.

   الجواب برأيي؛ انّ الفرق يكمن في الالتزام بالمنهج، فبينما تلتزم به مدرسة أهل البيت (ع) في كلّ الظّروف، يحتال الآخرون عليه على الرّغم من انّهم يُعلنون التزامهم به لدرجةِ التعبُّد.

   والمقصود بالمنهجِ هنا هو الذي حدَّدهُ المشرِّع في القرآن الكريم.

   ولذلك فعندما نتحدّث عن المشروع الاصلاحي لسيّد شباب أهل الجنّة الامام الحسين السّبط عليه السلام، فانّما نتحدّث عن سعيهِ لاعادةِ المنهج الى الواقع وإِحياءهُ من جديدٍ بعد ان تجاوز عليهِ الأمويّون وتغافلوا عنه بل وأَلغوهُ من واقع الامّة جملةً وتفصيلاً في إطار سياسات التّرغيب والتّرهيب وفلسفة القضاء والقدر السلبيّة التي وظّفها طاغية الشام الطّليق مُعاوية بن أَبي سفيان ابْنُ هند آكلة الاكباد، لفرض سياساتهِ ومنهجهِ المنحرف على الامّة وتبرير سلطتهِ الظّالمة عليها!.

   لقد سعى الحُسين السّبط (ع) أَوَّلاً وقبل كلّ شَيْءٍ الى إِحياء المنهج في نفوس النّاس الذين كانوا قد استسلموا للقدرِ الذي رسمهُ لهم ثمَّ ربّاهم عليهِ وضلَّلهم به مُعاوية ومن ثم ابنهِ يزيد والزُّمرة المنحرفة من المستفيدين منه كعمرو بن العاص ومن لفَّ لفهُ، من الذين شكّلوا حال دخولهِم الاسلام في عهدِ رسول الله (ص) حزباً يقوم على أساس السُّلطة التي توظِّف الدّين لتحقيق أهدافها، او ما يُمكن ان نُطلق عليه تسمية [دين السُّلطة] والذي يخدم سياسات الحاكم حسب الطّلب والمنفعة والحاجة!.

   والمنهج يعتمد في جذرهِ على قيمة [الحريّة] التي خلقها الله تعالى لعبادهِ وميَّزهُم بها عن غيرهم ممّن خلق، والتي تمحورت كل فلسفة الرّسالات على إِحيائها كلّما ران عليها الصَّدأ، كما في قوله تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

   وبالاستناد الى وعي المنهج سعى الحُسين السّبط (ع) الى إِثارة قيمة الحريّة عند النّاس أَولاً فقال عليه السلام مُذكِّراً النّاس بهذه القيمة الاساسيّة {إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ،وَكُنْتُمْ لا تَخَافُونَ المَعاد، فَكُونُوا أَحْراراً فِي دُنْياكُم}.

   لماذا؟!.

   لانَّ الانسان اذا كان حُرّاً كان مسؤولاً، واذا كان مسؤولاً تعامل مع كلّ شَيْءٍ من حولهِ بحكمةٍ وعقلٍ ودرايةٍ ومعرفةٍ، باذلاً كلّ جهدهِ ليختار الشّيء الصّحيح! بعد ان ينظُر الى العواقِب بامعانٍ، كما يقول الامام أَميرُ المؤمنين (ع) {فَاحْذَرْ يَوْماً يُغْتَبطُ فِيهِ مَنْ أَحْمَدَ عَاقِبَةَ عَمَلِهِ، وَيَنْدَمُ مَنْ أَمْكَنَ الشَّيْطَانَ مِنْ قِيَادِهِ فَلَمْ يُجَاذِبْهُ} وتالياً سيبذل كلّ جهدهِ لتحسينِ إِختيارهِ، والعكس هو الصّحيح، فاذا سلب أَحدٌ مِنْهُ الحريّة فقدَ حُريَّة الاختيار ليختار عَنْهُ الآخرون! الموقف والرَّأي والوعي وكلّ شيء، ولذلك نُلاحظ انّ الطّاغوت يسلُب أَوّل ما يسلُب من المجتمع حريَّتهُ، بتوريطهِ بالفسادِ مثلاً! ليُسقط عنه حريّة الاختيار بل وحتّى إِرادة الاختيار، فاذا استسلمَ المجتمعُ لجُهد الطّاغوت بهذا الصّدد، تحوَّل المجتمع الى جثَّةٍ هامدةٍ يقودهُ الطّاغوت كيف يَشَاءُ وأَنّى يَشَاءُ والى أَيِّ مصيرٍ يَشَاءُ! وهو حال الامّة في عهدِ سيّد الشُّهداء الحُسين السّبط عليه السلام! فلقد فقدت الامّة الحريّة فلم تعد تمتلك إِرادة الاختيار أَبداً، فكانت مُستعدَّةً للانقيادِ خلف الحاكم الظّالم الى حيثُ يَشَاءُ! حتى لو قادها الى قتلِ سِبْطِ رَسُولِ الله (ص) في كربلاء في عاشوراء عام ٦١ للهجرة! وقيادتها في العام التّالي لاستباحةِ مدينة رسول الله (ص) المدينة المنوّرة ثلاثة أَيّام بتمامِها وكمالِها وهدمِ الكعبةِ بالمنجنيق!.

   ولنا ان نتخيَّلَ الى أَيِّ درجةٍ من السّقوط الأَخلاقي والانهيار القِيَمي وصلت اليهِ الأُمّة عندما نجح الطّاغوت في سلبِها قيمة الحريّة وهي أقدسُ قيمةٍ خلقها الله تعالى للإنسان، لتفقدَ بالتّالي إِرادتها واختيارها وقول كلمةِ الحقِّ عِنْدَ سلطانٍ جائرٍ!.

   لا يُمْكِنُ أَن نتخيّلَ إِنطلاق المُصلِح بمشروعهِ الاصلاحي الرّسالي في الامّة قبل ان يُطلِق لها حُرِّيَّتها أَوَّلاً! من خلال إزالة كلّ الاسباب والمُسبّبات التي تُساهم في إِلغائها وسحقِها! وهذا ما عمِلَ عليه أئمّة أَهْلِ البيت (ع) كمنهجٍ رساليٍّ ثابت.