لماذا الحُسين دون غيره ...؟
ليس بالأمر العجيب الذي يصعب معرفته، مدى العلاقة الوثيقة بين آل "محمد" وأتباعهم، إبراهيم عندما ترك أهله وولده في وادٍ غير ذي زرع، قال: ربِ إجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، وكان بقصد محبتهم وولائهم، لأنه لا فائدة من يهوي إليهم ليقتلهم، إبراهيم نبي، قدم لله ما لم يقدمه قبله من الأنبياء، إمتثل لأمر الله وأراد يذبح ولده، ففعلها إيماناً وتصديقاَ لما أراد الله، لولا إن فداه الله بكبش عظيم، فكان حرياً بالله أن يرد له أيمانه بدعوة هو أرادها، لأن الله أكرم من إبراهيم.
من باب أخر، مع الفرض بأن أكرمك شخص، بما يملك وجميع مالديه، أو شاركك أياه، ستكون من باب الإنصاف لا الإحسان مدان لذلك الشخص، بما تملكه وتدخره، فضلاً عن رد الإحسان بما هو أفضل منه، فكيف لو كان المضحي هو "رسول الله محمد" ولأجل أكرم الأكرمين وأحسن المحسنين "الله" تعالى، إذ قدم "محمد" كل ما يملك! مشربه, ومأكله’ وملبسه’ وأهله, وبنيه, وأحبائه, ولحمه, ودمه، فلا يساوي هدي إبراهيم عشر المعشار مما قدمه محمد، فمن الطبيعي أن تهوى لأهل البيت الأنفس والإنسانية، قياساً بما قدمه إبراهيم.
.
تكلمنا أعلاه بما ينطبق على المسلمين، والملتصقين بالرسول عن طريق الثقلين، كتاب الله والعترة، ما خرج عن ذلك الى فضاء الإنسانية الأعم، فهم وجدوا بمحمد، ذلك النسيم الندي البارد، الذي إلتف حول وتحت جذور الجاهلية ليقتلعها مع اوثانها، ويحل محلها الرحمة والرسالة السمحاء، فيرون بالرسول مضحي لإنقاذ العالم وليس الجزيرة العربية فقط، وراحوا يتتبعون سيرة الرسول شيء فشيئاً، وخطوة بخطوة مع المسلمين، حتى إرتطموا بفحل من فحول التضحية المطلقة، إسمه "الحسين" من ذرية الرسول جهة إبنته الزهراء، فالكل يتكلم عن أهل البيت، إلا في الحسين تمتزج الدموع مع الكلمات.
كان للرسول حديث ألم ووجع مع الحسين، قيل للحسين"لا يوم كيومك يا أبا عبد الله" وقال الرسول "كلنا سفن نجاة ولكن سفينة الحسين أسرع" وقال "للحسين يوماً ستجلس الخلائق تبكيه حتى تفنى، وتجزع الملائكة عن إحصاء تلك الدموع أجراً وثواباً، وقال " أن لقتل ولدي الحسين حرارة لن تهدأ ابداً" وقيل " الحسين أقرح جفوفنا، وفجر الألم فينا"
بعد مقتل الحسين والدخول برأسه الى الشام، كان رجل صحابي، سمع زغاريد الفرح، إنطلق للتجمهر مع المحتفلين، يقول لفت نظري رأس تعلق نوره الى السماء، وكنت أحسبه رأس "محمد" فشككت بيني وبين نفسي، أيقض أنا أم أحلم؟ محمد مات سنة 11هـ، وأنا سنة 61 هـ ! ما إن عرفته رأس الحسين، ما تمالكت نفسي وصرخت بالناس "الأمم تحج ساعية كل عام، تقبل حمير وبغال وجمال وكلاب أنبيائها! وأنتم يا امة الإسلام تقتلون أبن بنته؟! وروحه وريحانته من الدنيا، وتقطعون رأسه ورؤوس أهل بيته وتسبون عياله! لا قرة عيونكم، ولا هدأ روعكم، وأبشروا بها دنيا مخزية، ستلعنكم الأجيال ما توارثت.
للحسين علاقة وثيقة مع كل متبصر به، عندما يقدم لله هكذا عطاء وهكذا هدي، اكتفى إبراهيم بأنه أراد ذبح ولده، أو تركهم في صحراء مكه، فما حال من ذبح له إثنا وسبعين إسماعيل في ليلة واحدة، وترك عشرات الأطفال تطحنهم حوافر الخيول، وحرارة العطش والنيران,في صحراء كربلاء, يقول الإمام "السجاد" افتقدت عمتي "زينب" أخت "الحسين" ليلة مقتله، خرجت متعكازا من شدة المرض، وإذا بها تحمل بين يديها أطراف أجساد ولحم متناثر! لتدفنها تحت التراب، سالتها ما هذا؟ قالت هي بقايا أجساد أطفال ورضع! قد مزقت أجسادهم حوافر الخيول، عندما أغارت علينا بين الخيام، أُذهلت النساء، فأنبرت الخيول تعدوا على أجساد الرضع والصغار.
هكذا عطاء ومظلومية وتضحية، ماذا سيكون ثمنها عند الله؟ أصبح الحسين مرتعاً لكل شخص، العاشق، والثائر لأجله وفيه، والمضحي لأجله وفيه، ومن أهوى الله فوأده للحسين، كل تلك الأصناف صنعت للحسين عشق بقلوب عارفيه، ولعل السيل البشري، ومارثون العشق الإلهي، المتوجه لزيارته في ذكرى أربعينيته، يجسد تلك الافئدة التي أرادها إبراهيم لأهله، ومن جهة أخرى تتخذ من الحسين العنوان الذي تنطلق فيه نحو الخلود، فكثيراً من هم بالأمس سائرين للحسين، واليوم شهداء لله والوطن بأسم الحسين.
بالحسين وللحسين, قوافل الناس تحج أليه وتهوي كربلاء, فيسطر الحسينيون أسمى وأجمل صور الكرم والسخاء,يجود البسيط بما عنده,ويزهد الفقير بما لديه, من باب أخر الحسين رسم على عاشقيه سبل التضحية والثورة والصمود,فتجد بعمر السابعة عشر سنه,وقد نذر نفسه للوطن بأسم الحسين, قوافل تهرول من أطراف بقاع الأرض للحسين زائرة,وقوافل تخدمهم لتلحق بهم مع أخر زائر فيهم, وقوافل تهرول نحو الجهاد ملبية, فتجلب النصر باسم الحسين تارة, وتلتحق بركب الشهداء معه تارة أخرى, وجميعهم قد نذر روحه ومايملك لله بأسم الحسين.