عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ (٢٣)

 

   إِنّ الحُريَّة ليست كالزّائدة الدّوديّة مثلاً في جسمِ الانسانِ يُمكن ان يحتفظَ بها اذا كانت سليمة او يقلعها ويتخلَّص منها اذا كانت سقيمة، أَبداً، وانّما هي جزءٌ لا يتجزّء من شخصيّتهِ ومشاعرهِ وعقلهِ وفَهمهِ ووعيهِ، لا يحقُّ لهُ أَبداً ان يتخلّص منها او يسمحَ للآخَرين بالعبثِ بها، فالواجبُ عليهِ ان يحميها دائماً واذا تضرّرت لسببٍ من الاسبابِ ان يُعالج الضّرر ولا يستسلم! وهي شيءٌ معنويٌّ يؤثِّر عليها بالسّلبِ والإيجابِ الجهل والمرض والتخلُّف والحسد والأنانيّة وحبّ الذّات والتفكير السّلبي واليأس والخوف والتردُّد والشَّك وضعف الاِيمانِ والأمن والعكس هو الصّحيح، كالعلمِ والمعرفة والصحّة والتّنافس الشّريف وقوّة الاِيمانِ والنّزاهة وغير ذلك!.

   ويعتمد الطّاغوت على كلّ الحالات السّلبيّة للضّغط على المجتمع لسلبهِ الحريّة، وهذا ما فعلهُ الأمويّون الذين نشروا الرُّعب والخَوف في المجتمعِ من جهةٍ ، فكانت قرارات طاغية الشّام الطّليق مُعاوية قاسية جدّاً ومشدّدة بهذا الصّدد فقد كتبَ نسخة واحدة الى عُمّالهِ يقول [أَن برِئت الذّمّة ممّن روى شيئاً من فضلِ أَبي تراب وأَهل بيتهِ] ومارسوا التّرغيب بكلِّ أَشكالهِ من جهةٍ أَخرى فكتب الى وردان مثلاً عاملهِ على مصر يقول [أَن زِد على كلِّ امرئٍ قيراطاً] ولوَّوا عنق حقيقة الدّين والإسلام من جهةٍ ثالثةٍ من خلال وضع الأحاديث والرّوايات كما يذكر ابْنُ أَبي الحديد يقول [ذكر شيخنا أَبو جعفر الإسكافي؛ انَّ مُعاوية وضعَ قوماً من (الصّحابةِ) وقوماً من التّابعينَ على روايةِ أَخبارٍ قبيحةٍ في عليٍّ عليه السّلام تقتضي الطّعن فيه والبراءة مِنْهُ، وجعلَ لهم على ذلكَ جعلٌ يُرغَبُ في مثلهِ، فاختلقوا ما أَرضاهُ، منهم أَبو هُريرة وعمرو بن العاصّ والمُغيرة بن شُعبة، ومن التّابعين عُروة بن الزُّبير] وكلُّ ذلك لسلبِ الحريَّة من المجتمع! فكان ان حوَّلوه الى قطيعٍ من الأَغنام يقودونهُ الى حتفهِ من دونِ ان يعترضَ أَحدٌ!.

   فكان الحُسينُ السّبط (ع) وكربلاء وعاشوراء ليهزّوا ضمير الأُمّة الميّت الموبوء بالفساد والتّضليل ولِيعيدوا لها حريّتها أَوَّلاً وقبل كلِّ شيءٍ!.

   لقد أرادَ عليه السّلام بشهادتهِ المُدوِّية والثُّلَّة الطّاهرة من أَهْلِ بيتهِ وصحبهِ الغُرِّ الميامين، ان يهُزّ ضمير الأُمّة بصعْقةٍ قويّةٍ بسبب الانهيار الذي أَصاب المنظومة الخُلُقيَّة والمفاهيم القِيَمِيّة، جرّاء سياسات الأمويّين!.

   فعندما يُخيِّمُ الخوفُ والرُّعبُ على الأُمّةِ لدرجةٍ أَنّها تفقد حتّى حريّة التّعبير عن رأيها وإِرادتها، وتفقد حريّة الاختيار! تكون المرحلة عندها بحاجةٍ الى هزَّة عنيفةٍ تعيدُ الأُمّة الى صوابِها باسقاطِ الخوفِ والرُّعب من نفوسِها ووجدانِها، وهذا ما أراد فعلهُ وتحقيقهُ الحُسين السّبط عليه السّلام باستشهادهِ المدوّي الذي كان ثمن لِهذهِ الهزّة المطلوبة دمٌ طاهرٌ مراقٌ ورؤوسٌ مرفوعةٌ على الرِّماحِ وحرائرٌ وأَطفالٌ سبايا!.

   ومن المنْهَجِ الرّسالي تأمين الحماية للمجتمع خاصَّةً حماية حريّة التّفكير والرأي والإصغاء والاختيار، ولقد أَشار القرآن الكريم الى هذهِ المفردة المهمّة من مفردات المنهج بقولهِ عزّ وجلّ {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ}. 

   إِنّ المُشرِّع يرفض ان يقبلَ أَحدٌ رسالة التَّبليغ او يتّخذ قرار التّسليم والايمان تحت حدّ السَّيف فان ذلك يصنع مِنْهُ مُنافقاً يضمِرُ شيئاً ويُظهرُ شيئاً آخر، وليس من غايات الاسلام والدّين صناعة المنافقين! أَبداً.

   ولذلك فانّ ما يفعلهُ الارهابيّون الآن ليس من الدّين في شيئٍ بالمُطلق، فمتى انتزع الاسلامُ إيمانَ النّاسِ والحرابُ فَوْقَ رؤوسهم؟! وأَيةُ خلافةٍ [إِسلاميّة] هذه التي يشيّدها أصحابها بالدّم الحرام المسفوك والرّؤوس المتطايرة والأجساد المتفحِّمة بالنّارِ والعِرض المُنتهك والدّمار المنتشر في كلِّ شبرٍ من البلادِ؟!.

   إِنّها سياسة الأمويّين الذين وظّفوا الدّين لخدمة أجنداتهم الظّالمة والمنحرفة والمشبوهة!.

   إِنّ الارهابيّين هُمُ الأمويّون الجُدُد بنهجهِم وأسلوبهِم وممارساتهِم، ولذلك يجب ان تحذرهُم الأُمّة وتحذرهم البشريّة! فهم لا يردعهُم شيءٌ عن إرتكابِ أَبشعِ الجرائم ضدّ الانسانِ!.

   على البشريّة جمعاء التّعاون من أجلِ إنهاءِ وجودهِم، ليس العسكري فحسب وانّما العقَدي والفكري والثّقافي كذلك لتجفيفِ المنابع من أُصولِها! وأَقصد بها نظام [آل سَعود] الارهابي الفاسد والحزب الوهابي!.