نساء عاصرنَ الأئمة وعشنَ أبداً/19 الزهراء: ما يبكيك يا رسول الله؟!
بكى رسول الرحمة (صلواته تعالى عليه وعلى آله) فقالوا له: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: إشتقتُ لأحبابي! فقالوا: أولسنا أحبابك؟! فأجابهم:(لا أنتم أصحابي، أما أحبابي فهم قوم يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، ويقيمون عزاء ولدي الحسين ويخلدون مصيبته)، ومن هناك تظهر إمرأة حورية ترتدي السواد، تستقبل العزاء وتجلس قرب الباب، لتحيي ذكرى إبنها الغريب العشطان، وهي تنادي إبنتها الحوراء: زينب هذا حسين بالعراء، صريع في كربلاء! نعم إنها السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام).
(قلوب الناس معك وأسيافهم عليك)، هذا هو رد الفرزدق، حين سأله الإمام الحسين(عليه السلام)في مسيرته صوب كربلاء، وقد قطع الطريق عليه قائلاً: الى أين يا إبن رسول الله؟ عندها سأله الإمام(عليه السلام):أخبرني عن الناس خلفك؟ والحقيقة أن ما أمر يسعد فاطمة (عليها السلام)، إلا زيارة ولدها الحسين(عليه السلام) في مقدمته، حيث ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام):(ما من نبي إلا وزار كربلاء ووقف عليها: وقال:(إنكِ لبقعة كثيرة الخير فيكِ يدفن السبط الأنور والقمر الأزهر).
السيدة فاطمة الزهراء كان عندها خبر أرض نينوى، وكانت دائمة البكاء على وليدها، خاصة وأنها تدرك جيداً أن الأمة، من بعد المصطفى والمرتضى(عليهما السلام) ستوّلي أمرها مَنْ لا يستحق، وقد إختار الباريء عز وجل كربلاء، لتكون منطلقاً للإباء والمقاومة ورفض الطغيان، مع شعورها بأن رأس عزيزها الحسين (عليه السلام)، سينتج أمة حرة لا تعرف الخنوع، وتلك هي التزكية والتطهير، اللذين منحا لأهل بيت النبوة، ليكونوا بهذا المقدار من العطاء والبذل، حفاظاً على هوية الإسلام الحقيقي.
حروف كربلاء ننطقها بشموخ وكبرياء، وغيرنا يفهمها بخبث ودهاء، والسبب واضح جداً، وهو أن هذه الملحمة تقلب موازين الطغاة، الذين في طغيانهم يعمهون، ويخافون طريق الأحرار المعبد بالدماء، فكيف بنساء الطف وقد قدمنَ دروساً تعجز الرجال عن تقديمها، رغم أنهن لم يحضرنَ الواقعة، وفي مقدمتهنَّ بضعة النبي المختار،أم السبطين البتول(عليها السلام أجمعين)،وقد أدت دورها لتحيا فيه خالدة الى الأبد، فهي المرأة الأولى التي تعزى بمصرع ولدها، أفيوجد سبب أقوى لبكاء الرسول وبضعته، غير طف كربلاء؟!
الزهراء محور قضية أهل البيت(عليهم السلام)، لأنها إمتداد طبيعي للنبي محمد(صلواته تعالى عليه وعلى آله)، فكيف وقد قال المصطفى في سبطه:(حسين مني وأنا من حسين، أحب الله مَنْ أحب حسيناً)، لذا عاشت السيدة الطاهرة واقعة الطف، بما قبلها وما بعدها، فلقد حضرت عند الرأس الخضيب، والجسد السليب، والخد التريب، فتنعى مصرعه وتنظر وهي بالملأ الأعلى، فنادت: وامحمداه، وا أبتاه، وا نبياه، وا أبا قاسماه، واعلياه، واجعفراه، وحمزتاه، وا حسناه، فما بعد يبكيك يا رسول الله؟