الحق على ضفاف الخيال.. حوارية متخيلة مع الإمام علي (ع) حول أهل البيت (ع). بقلم المفكر الإسلامي: عصام احميدان الحسني.. من المغرب الكبير |
الحديث عن أهل البيت (عليهم السلام)، ليس كما قد يتوهّم الواهمون بكونه من السّهل اليسير، بل هو من الصّعب العسير، وقد صدق صادق آل البيت ع إذ قال: "إنّ أمرنا صعب مستصعب "، ولولا أنّنا نتوسّل الوسيلة في المعرفة، ونرتجي الفضيلة من وراء الذكر، لما خضنا عباب البحر، ولا كنّا في هذا البحث ممّن شمّر، ووسيلتنا في هذه المعرفة، باب مدينة علم رسول الله، أخوه في المؤاخاة، وزيره في الحياة، سيفه في الغزوات، وصيّه بعد الممات، عليّ بن أبي طالب عليه الصلوات .. قلنا لعلي ونحن نستقبل قبره الشريف: يا علي، لقد أعيتنا المذاهب، وأصابنا في الفكر النّصب، وبلغنا التّعب كلّ التّعب، أيكون رسول الله رحيم هذه الأمّة، قد مضى لسبيله، ولم يكشف عنّا هذه الغمّة، ويكون قد بيّن لنا ما تكون به الهمّة، ويزول به الاختلاف بين الأمة ؟!. خرج عليّ من قبره، وأزاح عنه سرّ ستره، وصاح فينا: أيّها النّاس، يا من تاه في الظّلماء، وأعيته المذاهب كلّ العياء، ألا تعلموا أنّ الشّيء بالشّيء يذكر، وأنّ الفتح الذي تطلبونه كان في الزمن الذي هجر، وأن بدايتكم لن تكون إلاّ كبدايتنا، إن التمستم البداية، وطلبتم النجاة من الغواية ..صاح علي ع وقال: " بنا اهتديتم في الظّلماء، وتسنّمتم العلياء، وبنا انفجرتم عن السّرار، وقر سمع لم يفقه الواعية (نهج البلاغة، ص 32/33). قلت يا علي: "وقر سمعنا، وذهب عقلنا، واشتدّت الفتنة علينا، فأمط لثام الجهل عنّا" سكت عليّ قليلا وقال " ..أنظر أيّها السّائل، فما دلّك القرآن عليه من صفته، فائتمّ به، واستضئ بنور هدايته، وما كلّفك الشّيطان علمه، ممّا ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وأئمّة الهدى أثره، فكل أمره إلى الله سبحانه، فإنّ ذلك منتهى حقّ الله عليك " . نظرت في الكلام وقلّبته، فوجدت الحقّ كلّ الحقّ ما قاله، لكنّ سؤالا أرّقني، وما وجدت له جوابا يقنعني، فقلت: أبا حسن، فممّا علّمك الله فعلّمني، ومن فضل الله عليك فتفضّل به عليّ، قد بلغت من قصدك الغاية، وإنك للهدى خير علم وآية" قال علي ع: "سل كلّ ما بدى لك، فأنا من قلت في الزمن الذي هلك: سلوني قبل أن تفقدوني، فابتلاني الله بشيعتي، وبهم عدوّي رماني، فسألوا عن كلّ أمر عقيم، وتركوا غاية العلم وكلّ عظيم، فسل أخ الإسلام وناشد الإيمان، يا من قصر عن نصرة ولدي في آخر الزمان، فكان أن غاب عن العيان، وظهر أمره لذوي الأذهان، فأنتم والله الحوّل القلّب، نظرتم فما نظرتم، وفكّرتم فما تذكّرتم، رأيتم إمامكم هو الغائب، وأنتم عن هذا الأمر والله الغيّبُ، أسميتموه "المنتظَرُ"، ولعمري أنّه هو المُنتظِرُ، لعودة رشدكم المنتظَرُ . قلت: " نطقتَ فصدقتَ، وقلتَ فأحكمتَ، فعذرا سيدي، وعذرا لابنك المهدي، فإنّي لنصركم لفقير، وبالذّنب لجدير، وإنّ القوم استضعفوني، فلا تأخذ بلحيتي، واعذر قلّة حيلتي، وهواني على أمّتي، فيا علي زدني زدني . قال علي ع: أخ الإسلام، اعلم أن أهل البيت هم " موضع سرّه، ولجأ أمره، وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينيه، بهم أقام انحناء ظهره، وأذهب ارتعاد فرائصه " (نهج البلاغة، ص 27). قلت: " أيكون لغيرهم ما كان لهم، ويستوي الصّحب في الفضل معهم ؟ نظر علي إلي، فابتسم حتّى بان ثغره، ونظر إليه نظرة مشفِقٍ لمشفَقٍ عليه، وقال: " لا يقاس بآل محمّد من هذه الأمّة أحد، ولا يسوّى بهم من جرت بنعمتهم أبدا، هم أساس الدّين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التّالي، ولهم خصائص حقّ الولاية، وفيهم الوصيّة والوراثة " (نهج البلاغة، ص28). قلت:" يا وصيّ رسول الله، وزوج بنت رسول الله، وأبا سبطي رسول الله، قد سألنا القوم فقالوا لنا: إنّ اتّباع أحد المذاهب واجب علينا، فإنّا لم نك ممّن حضر النبيّ عيانا، وتبدّل الزّمان وخلّف زمان زمانا، فمن ناقلِ صدقٍ أمينا، ومن كاذب على الرّسول لعينا، فالزم أحد مذاهب المسلمين َ، مالكا أو الشافعي أو ابن حنبل أو النعمانا "، تغيّر وجه عليّ، فظننته منصرف عنّي، وراغب عن إجابتي، لكن فتق صمته مجيبا، ولبّى طلب الإجابة منيبا، وقال (ع): "فأين تذهبون ؟!وأنّى تؤفكون؟! والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة!فأين يتاه بكم ؟ بل كيف تعمهون ؟ وبينكم عترة نبيّكم، وهم أزمّة الحقّ وأعلام الدّين، وألسنة الصّدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وردوهم ورود الهيم العطاش (..) ألم أعمل فيكم بالثّقل الأكبر، وأترك فيكم الثّقل الأصغر ؟ وركزت فيكم راية الإيمان؟!". قلت: " بأبي أنت وأمّي يا علي، كلامكم نور خلفه نور، كشف لي كلّ مكنون ومستور، نطقت فصدقت، وصمتّ فذكّرت، فعجبا لبلاغ يقطع الرّجاء، وبيان أعجز الفصحاء، قال لي علي ع: مه، يا أخ الإسلام، فما ذكرت هو العلامة، و بغير ذلك لا تنال الإمامة، فأهل البيت " هم عيش العلم، وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحقّ، ولا يختلفون فيه، وهم دعائم الإسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحقّ إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية، فإنّ رواة العلم كثير، ورعاة العلم قليل" (نهج البلاغة، ص457). قلت: يا أمير المؤمنين، ويا يعسوب الدين، وقاهر الناكثين والمارقين والقاسطين، يا من به يعرف الهدى واليقين، وبه تعرف أباطيل المرجفين، كيف لنا أن نعرف ما خبّئ في صدور الرواة، ونقطع بإيمان وعدالة من هم في العلم سعاة ؟ فقد كثر القيل والقال، واختلطت الحبال بالنبال، فمن أراد الحقّ أخطأه، ومن أراد الباطل أصابه . قال علي ع: " لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدّنيا بجمّاتها على المنافق على أن يحبّني ما أحبّني، وذلك أنّه قُضي فانقضى على لسان النبي الأمي، أنه قال: "يا علي، لا يبغضك مؤمن، ولا يحبّك منافق" (نهج البلاغة، ص635). قلت: أي علي، أيكون حبّ آل البيت مدخلُ الجنّات، وبغضهم جالبُ الهلكات؟. قال (عليه السلام): أي والله، "إنّما الأئمة قوّام الله على خلقه، وعرفاؤه على عباده، لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفه وعرفوه، ولا يدخل النّار إلاّ من أنكرهم وأنكروه" (نهج البلاغة، ص255). قلت في نفسي: "حبّ آل البيت في قلبي، وهو من سيعصمني عذاب ربّي، فتنفّست الصّعداء، بعد أن وجدت لدائي الدّواء"، فقال لي علي (عليه السلام): وكأنّه عرف ما اضطمّ عليه صدري، وانطوت عليه جوانحي، وعلم بما كان من قولي في سرّي، فقال: أيّها العبد المسكين، سمعت فما وعيت، ورُمتَ الحقَّ فما وصلتَ، إنّما يعرف الأئمّةَ من النَّاس من قدّرهم وعظّمهم، وبكلّ أحبّهم وأجلّهم، وكان سلما لمن سالمهم، حربا لمن حاربهم، وإنّما يعرف أئمّة أهل هذا البيت من كان سائرا في دربهم، ملتزما بقولهم، عاملا بعملهم، فأمّا من دون ذلك فليسوا بعرفاء الأئمّة، فإذا عرفت هذا فالزم، وبحبلهم فاعتصم . قلت: فداك روحي يا أمير المؤمنين، أليس غير الآل، من مداد حبر الرّواية أسال، وكان من الذين للرّسول سال ؟ أفلا يجوز الأخذ عن غير آل رسول الله، ما كان من علم رسول الله ؟ رفع يده عليّ، مشيرا إلى صدره وقال: "نحن الشّعار والأصحاب،والخزنة والأبواب، ولا تؤتى البيوت إلاّ من أبوابها، فمن أتاها من غير بابها سمّي سارقا" (نهج البلاغة، ص258). قلت: أعوذ بالله أن أكون من السّارقين، وإنّي بفضل آل البيت من الموقنين، وإنّي ببابكم لمن الواقفين، ألوذ بكم ولأمركم إن شاء الله من المطيعين، لكن حدّثني عن الرّاسخين في العلم، أليس كلّ من أفاض الله عليه من علمه سمّيَ راسخا في العلم، أليس الفقهاء أمناء الرّسل هم الرّاسخون في العلم ؟ نظر عليّ إليّ نظرة كدت أكون بها من المغشيّين، فعلمت أنّي بكلامي هذا غويت فكنت من الظالمين، فقال (عليه السلام): "أين الذين زعموا أنّهم الرّاسخون في العلم دوننا، كذبا وبغيا علينا، أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم ؟! بنا يستعطى الهدى، ويستجلى العمى، إنّ الأئمّة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح من غيرهم" (نهج البلاغة، ص239). |