خطاب الكراهية

المنابر تضجُّ به، مرضٌ اجتماعي ينتشر بيننا كالوباء، ويلقى آذاناً صاغية من الكثيرين، وتُضخ من أجل ديمومته الأموال بسخاء لا حدود له.

في منطقتنا العربية والإسلامية، أمسى خطاب الكراهية هو الخطاب الأكثر مقبولية. يشتهر الخطباء متى ما تبنوه، ويحصد السياسيون آلاف الأصوات الانتخابية كلما عزفوا على وتره. ويُحاصَر بالمقابل أصحاب خطاب التسامح والاعتدال والوسطية في زوايا العمالة للأجنبي وانعدام الشجاعة وعدم مواجهة الحقائق كما هي!

الغالبية يأسُرها التاريخ وتطمح -بإرادتها- للوقوع تحت تخديره، علّه يشعرها براحة ضمير ربما، لفرط ما اختزنت ذاكرتها قصص الظلم والانتقام وضرورة الأخذ بالثأر.

من مناهج التعليم وحتى مسجد الحي، مروراً بالفضائيات والمواقع الإلكترونية والصحف والمجلات، تحقن الكراهية في عقول الصغار كما الكبار وتتشرّبها حتى ربات البيوت، بعد أن أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات التلفزة متوفرة في كل المنازل.

ويستغل (البعض) أي مسألة – مهما كانت بسيطة – للعب على وتر الطائفية أو العرقية أو حتى الجنس، وتبث السموم التي تلوث العقول. وتجعل من الصعوبة بمكان على العديد من الناس التفريق ما بين خطاب الكراهية وحرية التعبير!

ما لم تقف الدول والحكومات والبرلمانات ورجال الإصلاح في طريق هذا الخطاب الانفعالي وتجرمّه بقوانين واضحة ورادعة وغير قابلة للبس، ولا الاستغلال من قبل السياسيين لتصفية الخصوم أو الانتقام منهم. سيظل هذا الخطاب الكريه يغذي ساحات القتال في كل أرجاء الأرض بالشباب الذين يقاتلون، ويقتلون بالنيابة عن من يضخون الأموال من أجل غايات الهيمنة والتخريب والهدم.

ما لم تعمل الحكومات (الرشيدة) على تدريب كوادر أجهزة الإعلام ووسائله للتمييز بين خطاب الكراهية والرأي، سيظل الإعلام بشتى أنواعه ينفث سموماً لا ترياق لها في مجتمعاتنا التي لها قابلية عجيبة وغريبة لتقبل كل ما يغيب عقول أفرادها، ويسلبها إرادتها.

أما السياسيون – لا سامح الله بعضهم- فلا بديل عن وضع قوانين تحد من حرياتهم (المنفلتة) في التعبير عن آرائهم بطريقة خطاب الكراهية التي تصيب في مقتل الجهود التي تسعى لإعلاء مفهوم المواطنة سبيلا وحيدا لتعامل الدولة والحكومة والقانون مع أفراد المجتمع.

هل نسينا أن نذكّر بدور وزارات الأوقاف والشؤون الدينية بالسيطرة على خطب الجوامع وحلقات الدرس ومناهج المدارس الدينية، للحيلولة  دون استمرار نزف دماء الشباب من أجل نصرة أفكار وشخصيات يفترض أن التقدم الحاصل في هذه الدنيا (الفانية) علمياً وفكرياً وتكنولوجياً قد تجاوزها إلى غير رجعة؟