مفاجأة ترامب.. والعراق



ليس الاميركيون، الذين سهروا الى الفجر، أو الذين خلدوا الى النوم على يقين بفوز كلنتون، هم وحدهم الذين صدمتهم نتيجة الانتخابات بفوز دونالد ترامب، بل شاركتهم الصدمة، كل الشعوب التي تتأثر، بشكل أو آخر، بالسياسة الخارجية الاميركية، بدءاً بروسيا، وصولا الى الشرق الاوسط، بملفاته الساخنة ، وانظمته المترقبة لنتائج الانتخابات.الصدمة كانت سارة للبعض، ومحزنة للبعض الآخر، فيما فريق ثالث يراقب ليرى ما إذا كانت طروحات ترامب الخارجية ستترجم على الارض أم انها مجرد كلام انتخابات، سرعان ما سيتغير بفعل الفوز، أو بفعل الاصطدام بمؤسسات الحكم والضغوط الخارجية الكابحة لجماحه. وبقدر الهواجس التي حملها فوز ترامب، فان خطابه الاول بعد اعلان الفوز، بدد الكثير من هذه الهواجس، وخلق انطباعاً بأن الرجل تغيّر وانه ليس ترامب الحملة الانتخابية والتصريحات الهوجاء. البعض يقول ان الخطاب تمت صياغته له بعناية من قبل فريقه، وان الاداء في المستقبل يكشف مدى «حقيقية» هذا التغيير. لو صحّ هذا، فانه سيعني ان هناك من سيوّجه خطاب ترامب فضلا عن أدائه في المستقبل، من شخصيات متمرسة، ومؤسسات الحزب الجمهوري.

بأسلوب حضاري وتهذيب لم نشهده في خطاباته، شكر الرئيس الفائز غريمته هيلاري كلنتون، مشيدا بالجهد الكبير الذي بذلته والخدمات التي قدمتها لأميركا. هي كانت قد سبقته باتصال هنأته فيه بالفوز.

الاكثر تطميناً في خطاب الفوز قوله ان الانتخابات انتهت وانه منذ اليوم رئيس لكل الاميركيين. خارجياً قال انه سيسعى الى السلام وليس خلق الازمات، وانه سيتعامل مع من يريد التعامل مع أميركا، وانه سيبحث عن نقاط الشراكة والالتقاء مع الامم الاخرى. هذا ما تلقفته الرئاسة الايرانية فصدر عنها تصريح بأن ما جاء في خطاب الفوز مختلف عن خطاب ترامب الانتخابي.

في سياسة الولايات المتحدة الخارجية الشرق أوسطية ثوابت، هي أمن اسرائيل، وتأمين مصادر الطاقة (النفط والغاز)، لكن آليات ضمان هذه الثوابت تختلف بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، فالاول يستخدم الاسلوب غير المباشر المغلف بعناوين جاذبة فيما الجمهوريون يميلون الى الاسلوب المباشر عبر التدخل والفرض بالقوة. وفي كلا الاسلوبين فان لشخصية الرئيس ورؤيته، انعكاسات على السياسة الخارجية. باراك أوباما تعامل مع قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بشكل اختلف عن اسلوب غيره. وفي العراق وسوريا واليمن وليبيا تعامل أوباما بطريقة غير مباشرة عبر تحرك ودعم عوامل محلية، فأجج حروباً وغيّر أنظمةً وأغرق المنطقة في بحر من الفوضى والدم، فيما الجمهوريون يفضلون اسلوب الحرب المباشرة بقوات أميركية، وهم الذين اعتبروا أنّ اسلوب أوباما أضر بـ»هيبة» الولايات المتحدة.

في الملف العراقي مباشرة، اعتقد ان السياسة الاميركية ستشهد تغييرا في اسلوب التعاطي معه. قبيل الانتخابات الثانية لوباما، كان الجمهوريون يتوقعون الفوز، فجاء وفد منهم الى العراق والتقى بشخصيات سياسية ودينية للاطلاع على مشاكل ومواقف الاطراف العراقية. كانوا يقولون بثقة: نحن عادون الى البيت الابيض. اليوم عادوا فكيف سينعكس ذلك على العراق؟.

في الملفات الاقليمية، المؤثرة مباشرة على الوضع في العراق، ننتظر تعاطياً أميركيا جديداً مع الملف السوري، وترحيب الجانب السوري بفوز ترامب يشير الى ذلك، ما لم تتدخل عوامل أخرى. في الملف الايراني فان مصير الاتفاق النووي ومن ورائه، العلاقة الاميركية الايرانية ستؤثر مباشرة على وضعنا العراقي الداخلي. لو تشدد ترامب مع ايران خلال الاشهر الاولى من حكمه فان ردّ الفعل الايراني سيكون صعود شخصية متشددة الى الرئاسة في الانتخابات بعد ثمانية أشهر، عندها سنكون مرة أخرى «مكسر عصى» في حرب باردة بين الجانبين على أرضنا، أما لو واصل ترامب منهج اوباما، فسنكون في منأى عن دفع ثمن هذا الصراع.

يبقى الموضوع السعودي، ودور الرياض في دعم التطرف والارهاب في المنطقة، رهن بطبيعة تعاطي ترامب مع ملف الارهاب في المنطقة، وموقف واشنطن من التجاذب السعودي الايراني. ننتظر لنرى، مع الامل ان تحمل السنوات الاربع القادمة ما هو خير للعراق واهله.