للاسف الشديد نظرية المؤامرة هي التفسير السهل والجاهز الذي يعفي العقل من بذل جهدا كبيرا لفهم احداث الواقع كما هي بالفعل ، وكذلك فهم أحداث التاريخ ! ، وهذا يحتاج الى علم ومعرفة ومنهج منضبط وادوات للبحث وهو امر لا تطيقه أكثر عقول الناس خصوصا التي تعودت على الكسل العقلي والاكتفاء بالتفسيرات والاحكام العامة والجاهزة ! ، فتكون نظرية المؤامرة او شماعة القضاء والقدر أو العقاب الالهي هي الحل السهل والتفسير الجاهز !! ، لا ننسى هنا ايضا المبدأ الاقتصادي القائم على فكرة (المحافظة على الطاقة) فهو ايضا قد يجعل الناس يبخلون على انفسهم بالبحث والتحقيق والتفكير العقلاني الجاد والعميق والدقيق ، ذلك ان هذا التفكير العقلي الجاد ، إعمال العقل ، يحتاج فضلا عن انفاق جزء من وقتهم الى بذل جهد ، والجهد يحتاج الى انفاق قدر من الطاقة الحيوية والعصبية التي تسري في الدماغ والجهاز العصبي لديهم ، وهذا يشبه لحالة انفاق النقود على اعمال خيرية وعامة لا يستفيد منها المرء بشكل شخصي ! ، ( وأحضرت الأنفس الشح) كما قال الخالق العليم الخبير ! ، وبالتالي يجد اغلب الناس انفسهم ينفرون من استعمال الجهد العقلي ويبخلون ويمسكون عن استعماله على ما لا يحقق لهم منفعة شخصية مباشرة كالكسب المالي او المتعة الشخصية لأن ذلك مكلف ويبدد طاقاتهم الذهنية في قضايا معقدة وعامة لا تتعلق بقضاياهم اليومية واشباع حاجاتهم والاستمتاع باوقاتهم وطاقاتهم ، فيكون اللجوء الى نظرية المؤامرة او نظرية الانتقام الالهي(*) او نظرية الحظ والصدفة او نظرية القضاء والقدر هو المهرب السهل من التفكير واعمال العقل وبالتالي تعطيل التفكير وعدم الوصول الى التفسير الحقيقي للظواهر والكوارث الطبيعية او الاحداث الاجتماعية والسياسية في الماضي والحاضر ، وهذا يعني بدروه عدم الحصول على معرفة عميقة ودقيقة لحقائق الواقع الفعلي وحقائق أحداث التاريخ وما جرى فيه بالفعل والقوى المنظورة وغير المنظورة التي دفعت به في هذا الاتجاه أو ذاك ! . لا يعني هذا عدم وجود مؤامرات ونفي حدوثها في الماضي والحاضر ! ، فحياتنا الاجتماعية والاقتصادية والادارية والسياسبة تجري فيها مؤامرات ومكائد بين الخصوم ولكن ان نعلق كل أحداث التاريخ وكل احداث الواقع الحاضر على نظرية المؤامرة ! ، أو نعلق حدوث الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات على نظرية الانتقام والعقاب الالهي ! ، فذلك ،لعمرك ، هو اخطر آفات وأمراض العقل العربي التي تسببت في تعطيله عن فهم الدين والدنيا ، وفهم التاريخ والواقع ، والعيش في عالم من الغموض المبهم غير المفهوم ! . *********** سليم الرقعي (*) نظرية العقاب والانتقام الالهي : هي تفسير ظاهرة (تسونامي) مثلا أو وقوع زلزال يضرب أمريكا بأنه انتقام الهي وعقوبة الهية للشعب الذي حدثت عليه الكارثة الطبيعية ! ، هذا تفسير سهل وجاهز فضلا عن أنه مريح لبعض المتدينين او من يكرهون بلادا او شعبا لسبب من الاسباب كحال بعض المتدينين والقوميين العرب مثلا الذين ينظرون لاي كارثة طبيعية تضرب الغرب وخصوصا أمريكا على انها انتقام الهي بسبب نصرتهم لاسرائيل ضد العرب الطيبين المساكين المظلومين (أحباب الله !!) ، بالمثل كارثة الحرم المكي ووقوع رافعة ضخمة على رؤوس الحجيج وقتل بعضهم العام الماضي 2015 فقد اعتبرها بعض المتدينين والمتعصبين في أمريكا والغرب خصوصا من المسيحيين الانجيليين على انها عملية انتقام الهي قام بها الرب للثأر من المسلمين والعرب خصوصا وانها وافقت ذكرى حدوث عملية 11 سبتمبر الارهابية !!، بينما اعتبرها بعض الايرانيين او الشيعة عموما انتقاما الهيا من الوهابيين وآل سعود في الوقت الذي اعتبرها سعوديون مؤامرة ضد المملكة دبرتها المخابرات الايرانية !! ، وهكذا يستعمل كل طرف الكوارث الطبيعية او الاجتماعية (القدرية) لتعزيز عقيدة الكراهية ضد الطرف الآخر واثبات أن الله منحاز اليهم ويغضب لغضبهم ويفرح لفرحهم وهو يشبه لعملية توريط الله العليم الحكيم في ما يشبه لعب العيال !!.
|