التسوية التاريخية العراق يدفع الثمن

 

هل  أتى على العباد حديث التسويات ما قُبر منها وما هو آت, نفوس لا تقدر ان تشرح صدرها وتضع عنها وزرها وان تسبر في مكنوناتها باحثة عن الذي يجمعها وأن تسمو بالانسان الى الذات, ما يغيب عن وعي العامة من الناس وادراكها هو ان تجهيل الشعوب وتضعيف التوعية هي من الستراتيجيات التي اصبحت تعتمدها السلطات والطبقات السياسية وهي احدى ادواتها ومقتنياتها التي تستطيع بها ان تمرر كل ما يتوافق ويتطابق مع تطلعاتها وفي الوقت الذي يناسبها , والإلهاء والتضليل واحدة من الاليات والعناصر الاساسية في التحكم بالمجتمع وهي تستند في محاورها في تحويل انتباه الراي العام عن الخراب الذي يلحق بالعامة من الناس والمشاكل الهامة والتغيرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية المتسلطة على مقدرات وثروات الدولة ومؤسساتها , ويتم ذلك عبر قاعدة من الوعاظ الذين يقبعون خلف كواليس الواجهة الرئيسية وهم يحرفون الاحداث عن مواضعها عبر وابل من المعلومات التافهة والمبادرات الملهية من خلال التسويق الاعلامي والاجندة الثقافية التابعة لها لمنع العامة من الاهتمام بالاحداث الرئيسة عن طريق استدراج العقول والذاكرة لكي تدور في حلقات المسميات والمخرجات التي تغرق في التنظير والتأويل لتبعد الانظار عن الخفايا وتنأى بنفسها عن الازمات الخطيرة التي تراكمت نتيجة الجهل السياسي واعتمادها الطموحات الشخصية لتعظيم السلطة وتفعيل مغرياتها وتحصيل مصالحها وتغييب الارادة الوطنية التي تديم افقها في التسلط والزعامة . التسوية التاريخية: ما اعظم عنوانها وحسن لسانها وبداعة اخراجها وهي تطلق من سادة الترف السياسي وقد استووا على العروش يتزعمون مجالس مختلفة الاجناس والالوان بعد ان ترفعوا في الخبرة والمكر السياسي وتفهموا الخيوط التي تدير الاحداث وتاثيرات القوى المحلية والاقليمية اللاعبة في الساحة السياسية وكيف تنطلق المغازلات والتسويات والتصفيات بدون ان تعلن محاور الصراع الاساسية لتبقي ساحة التوافقات مفتوحة لتعيد الصياغات والتوافقات مرارا وتكرارا, والتسوية التاريخية هي صياغة جديدة بعد ان حبطت كل الاعمال التي انبثقت من تلك المخرجات ومن تاريخ قريب فهل نُسخت الكتل العابرة وقواهرها او جبهة الاصلاح ومشروعها واين هي تفاعلات هيكلة الدولة او مأسسة تحالفاتها وهل عفا الزمن الاغبر عن كوميديا التكنوقراط ومفردات الاصلاح الشلعية القلعية واعتصامات القبة الثورية والاقالات وعروضها المسرحية وسذاجة الاضراب عن الاكل وصيحات الفساد لا يمثلني, ضاعت الحسبة علينا بسبب تراكم تلك المسميات فكل واحدة منها تشابهت على الاخرى وما عاد العامة من الشعب يعلمون بأي واحدة من تلك الحبال يعتصمون وصار الغوغاء منهم واللاغطون يهتفون مرة “علي وياك” ومرة “بره بره” ويقتحمون ومن فوقهم السادة والزعماء في العقول يتحكمون .

نقد مبكر

قد لا يتوافق النقد المبكر لتلك المبادرات وهي لا زالت في مهدها نائمة في الاجواء المترفة ومغطاة بالحرير ومعطرة بالورد والياسمين والمسك الغالي الثمين وهي بعيدة عمن يعاني شظف وذل العيش قاهر وظليم ولكن لو اتبعنا أحسن القول الرصين لما تمكن اللدغ من جحورنا الف الف مرة ولا زلنا مؤمنين, فأن جاءتكم السلطة بنبأ فتبينوا ان كان يبدأ باحدى الاداتين (لو,اذا) فهاتان من ادوات التمني والشرط وسوف لن تغير شئ من واقعنا المهين, فكل المبادرات تبدأ من عنوان غامض متأرجح غير مكين مقدمته ” لو ان هناك ارادة وطنية حقيقية ” واخره ” اذا كانت النوايا حسنة ” ولغويا هذا يعني ان الارادة والنية ليست الا تراكيب لفظية وما يعتمد عليها فهو ساقط لأنعدام معانيها عن واقع الافعال فيها ولندع تلك الادوات تفعل بنا ما تشاء ولنتبين امرنا من هذه التسويات, فالتسوية مصطلح قانوني متعارف علية وهو يقوم على اساس حل النزاعات والتي اغلبها مادي بين خصمين وكل منهما يمتلك من الادلة ما يظن انه قادر على ادانة خصمه وان يكون الحكم النهائي الى جانبه الا ان تلك المناورات قد تطول فيلجأ الى ما يسمى بالتسوية بعد ان يكون هناك طرف محايد يقنع الاطراف المتخاصمة بالتنازلات ليقدم في الاخر ورقة تسوية ترضيهم وبمجرد ان يوافق الطرفان على التسوية قانونياً تكون كل الملفات او الادلة السابقة قد سقطت كدليل ولن تكون ذا قيمة قانونية على الاطلاق, ولنلبس ذلك التعريف والتوضيح في اصعب معادلة على السلطة التي تحكم العراق في هذا القرن , فاطراف النزاع كثيرة ومعقدة ومتناقضة في اهدافها واجنداتها ومتباينة في قدراتها وسلطاتها ليس لها مشروع ولا منهج ولا تقر بعشوائيتها الا انها فاعلة لتحافظ على مصالح سلطاتها , وفي ظاهر الامر ان التسوية ستكون مع كل هذا التشابك والاعتراك تحديا لا يقدر عليه الا من سيأتي بعد هذا الزمان, ذلك هو الالهاء والتضليل بحد ذاته وما مخبوء تحت العباءات هو القادم الهالك الاعظم فالتسوية ستكون ماسحة الاثام والذنوب السياسية وستدفن وبمكان غير ظاهر كل ملفات الادانة وارشيف الاموال المهدورة والمسروقة وكل الذي جرى من الفساد الاعظم وستكون قبلة السياسة (المنطقة الخضراء) مطهرة قد أذهب عنها الرجس لا تشوبها الشبهات ولا يدخلها الا من اصلح وتاب بعد التسويات فالتسوية التاريخية تجب ما قبلها وستكون كل العنواين التي تبوأت حكما او منصبا على العراق مغفورة الذنب وأياديهم بيضاء كما ولدتهم امهاتهم وبهذة التوبة سيتم الاتفاق على صياغة رصينة على تقسيم الغنائم بدلا من التقاتل عليها وسترسم خارطة الحدود الادارية بالقومية والطائفية والمكوناتية للتمهيد الى منظور امده بعيد (العراق الجديد) مشروع مدفوع الثمن سيتم تحقيقه فقط عندما يتفق الفرقاء الغرماء الاتقياء كيف ستكون القسمة وكم ستكون حصة كل محور من ذلك العراق.

ذاكرة تاريخية

عندما تغفل الشعوب عن ذاكرتها التاريخية التي جرت عليها الويلات فليس لها خيار الا ان ترضى بتكرارها والسلطة تعي هذه المعادلة وتقوم بالتكرار باليات الالهاء والتضليل, والخطوة الاولى التي على العامة ان تعيها هي حساب نسبة الانجازات بدلا من عديد المبادرات لتكون هي المعيار الذي يميز الطالح من الصالح والمنتفع من النافع وان يبحث ما بين السطور حجم الصفقات والاحداث التي دائما ما تمرر بينما يكون الراي العام ملتبسا بحدث اخر كمنع المشروبات وان يحلل الدوافع والغايات عما يطلق من أي جهة من الجهات, وعليه ان يستعرض ما يدور على الساحة ليعرف ما هي المتغيرات, لنستذكر ولعام مضى ما الذي تحقق من الانجازات, تخفيض الرواتب وقروض البنك الدولي واستثمارات جاهزة بلا عناء, نفط بات يهيمن عليه الغرباء, تحقيق دولي في ملفات الفساد, مجانية التعليم بلا قرطاسية ولا كتاب, وزارات بلا وزراء, المفوضية ونظام الانتــــخابات واخيرا وليس اخرا, عودة ميمونة لنواب الرئاسة الثلاثة وكل هذه الاحداث وان كانت مهمة ولكنها هامشية بجانب احداث ستراتيــــجية لم يكشف عنها الغطاء, فما الذي تعنية مؤتمرات الصحوة الاسلامية وما هي اسبارها التي اسدل عنها الحجاب وما هو المشروع الاسلامي الكبير وقادمون الى مدن ليست موجودة على خارطة العراق وكم منا من تنبه الى الاتفاقات القضائية مع الولاة والتي مرت بلا تفسير ولا تاويلات, هل كل هذا يجري بمحض الصدفة او ان هناك مشروع عراقي ستراتيجي وهو قاب قوسين او ادنى من ان يحقق المعجزات, على اهل العراق ان يسمعوا ويعوا فالقادم لن يكون غير تسويات تدخل في حساباتها مهادنة الولاة والسلاطين والملوك التي تدير الصراع, اما الشعب فهو النطــــــــيحة والمتردية التي لا حول لها ولا قوة, وسيبقى في دوامة الجهل والالهاء وحلقات الشعائر والشعارات, لئلا يعي يوما بان الاصلاح يحتاج الى ثورات بدلا من التسويات, ثورات على المستويات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والعقائدية وثورات تنقلب على الموروثات التاريخية المدفوعة الثمن, فأن لم يستطع الشعب ان يسير على طريق المعرفة والتنوير ويبقى خانعا ويســــــــــلم تسليما فما بقي في جعبتنا من حكمة الا ان نقول صبراً الـ(عراق) فموعدكم الخيبة بعد التسويات.