الإلكترون ، ذلك الجسيم المشاغب ، أصل تكنولوجيا الكهرباء

البرق ، وما يصاحبه من صوت مدوٍ وسطوع يذهب بالأبصار ، أول ما استرعى انتباه الأنسان ، فخافه إلى درجة أن اتخذه إلها ، قبل أن يكتشف ، أن هذا البرق ، ما هو إلا سيل غزير من الإلكترونات متأثرا بفرق جهد هائل لكهرباء مستقرة (إستاتيكية) بن الغيوم ، الإلكترون ذلك الجسيم تحت الذري (Sub Atomic) ، والذي يحمل شحنة سالبة ، بإعتباره جزء من الذرة ، أصل الموجودات المادّية الملموسة ، والذي يدور حول النواة الموجبة لأنه ينجذب اليها ، وكي يتجنب الأصطدام بها فتفنى الذرة ، عليه أن يدور حولها ليولد قوة طرد مركزي (Centrifugal force) كي يكافئ قوة جذب النواة له ، كما الأرض وهي تدور حول الشمس ، وكما القمر ، التابع الوحيد للأرض وهو يدور حولها ، وكأنه ناموس كوني موحّد ، الصغير يدور دوما في فلك الأكبر منه كُتلةً .للإلكترون كتلة ووزن لأنه جسيم مادي ، وهو 1 من أصل 9 وخلفها 28 صفر من الغرام الواحد ! ، لم يكن معروفا لأن نموذج الذرة لم يُكتَشَف بعد ، إكتشفه العالم الأنكليزي (تومسون Thomson) عام 1897 ، وحصل بموجب إكتشافه هذا على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1906 ، فقد لاحظ وجود اشعاع مرئي بين قطبي بطارية بفولتية عالية ، في انبوب مفرّغ من الهواء ، لأن الهواء يعيق حركته ، وكان يتأثر بالمجال الكهربائي ، هذا الشعاع كان عبارة عن تدفق غزير للألكترونات في الفراغ ، وكان هذا حجر الزاوية لأنبوب أشعة الكاثود  (Cathode Ray Tube , CRT) ، والذي أدى الى أختراع انبوب الأشعة السينية (X-Ray) ، وشاشات التلفزيون التقليدية .
والتيار الكهربائي هو تدفق الكتروني يتحرك ضمن السلك في المواد الموصلة ، والتي تحتوي ذراتها على الكترونات من السهل (سلخها) من مداراتها تسمى (الإلكترونات الحُرّة Free Electrons) بفعل فرق الجهد مثل الفلزات عموما ، فكل ذرة تفقد الكترونا ، ستكون غير مستقرة ، وتعود الى حالة الاستقرار اذا إكتسبت إلكترونا ، لهذا فإنها ستستعيره من ذرتها المجاورة دوما وهكذا وكأن هذه الالكترونات كرات (بليارد) صلدة مصفوفة على خط واحد هو المادة الموصلة ، وعند ضرب أول كرة في الصف ، فلا نلاحظ الحركة الأهتزازية على طول هذا الصف ، لكنا نرى الكرة الأخيرة تغادر الصف ، خصوصا وأن الإلكترون يتنافر مع نظيره لأنهما يحملان نفس الشحنة ، وهي ظاهرة مألوفة ، على عكس المواد العازلة التي لا تحتوي على الألكترونات الحُرة لهذا لا يسري التيار بها .
لاحظ (فاراداي Faraday) العظيم في العام 1845 ، إمكانية اثارة هذه الإلكترونات في موصل ما إذا تحرك داخل مجال مغناطيسي والحصول على فولتية (فرق جهد) ، والمعروف بتأثير فاراداي (Faraday Effect) ، أي تحويل الطاقة الميكانيكية الى كهربائية ، وهو المبدأ المعمول به حاليا في المولدات الكهربائية ، كما يمكن الحصول على فرق الجهد هذا من تحويل الطاقة الكيميائية الى طاقة كهربائية كما في البطاريات ، أو الضوء الى الطاقة الكهربائية والمعروف بالتأثير الكهروضوئي (Elecrto- Optical Effect)  كما في الخلايا الشمسية .
الواقع أن هذه المصادر لا (تولّد) الإلكترونات على الأطلاق ، لكنها مصادر للطاقة  لأنها تقوم (بتحريك) هذه الإلكترونات بكثافة معينة (التيار) ، مسببة فرقا في الضغط  (فرق الجهد أو الفولتية) ، الأمر يشبه كثيرا وجود مضخة مياه (المصدر) ذات أنبوب شفط (القطب السالب) ، وأنبوب دفع (القطب الموجب) ، تأخذ المياه من خزان ، وتعيدها إليه دون أي فقدان للمياه (الإلكترونات) ، لكننا نستغل فرق ضغط المياة بين أنبوبي الدفع والسحب (فرق الجهد) والذي يجب أن يكون بين نقطتين (الأنبوبين) لأنجاز الشغل أو لبذل الطاقة ، لذلك يجب أن يكون قطر الأنبوب (قطر السلك) ، متناسبا مع كمية تدفق المياه (التيار) ، ويكون معدل تدفق المياه من أو الى المضخة متساويا ، أي أن التيار الكهربائي يكون متساويا عند السلكين (الحار والبارد) ، لهذا يمكننا قياس تيار حمل ما من أي سلك ، الحار أو البارد بواسطة (الكلامبميتر Clamp meter) .
عند ربط حمل ما على طرفي فرق الجهد (المصدر) ، سيؤدي الى الحصول على الطاقة من خلال حصد زخم الألكترون وتحويله الى شكل آخر من الطاقة ، كالحرارة (كما في الهيترات) ، أو الى طاقة ميكانيكية (المحركات الكهربائية) ، أو الى طاقة كيميائية (كما في شحن البطاريات) ، او ضوئية أو أي شكل آخر ، وإن التحكم في حركة الألكترون ومساره ، هو كل ما يمثل التكنولوجيا الحديثة من تطور مذهل في الأتصالات ، ونقل الطاقة الكهربائية ، وكل ما يسمى جهازا إلكترونيا ، فمن خلال إختراع (أشباه الموصلات Semiconductors) ، والتي يمكن جعلها موصل جيد للكهرباء (توصيل) ، أو جعلها عازلة (قطع) من خلال حقن كمية صغيرة من الإلكترونات في بلورة من مادة شبه موصلة كالسليكون ، للتحكم بكميات كبيرة من الألكترونات ، أي بأمكاننا صنع مقاومة كهربائية وتغيير قيمتها بين التوصيل والعزل بأسلوب الكتروني (وليس ميكانينكي كما في المقاومة المتغيرة) ، من هنا كان إختراع (الترانزستور) ويعني إختصارا بالأنكليزية (مقاومة النقل Transfer Resistor) ، وصار بأمكاننا تكبير الأشارات الضعيفة ، وبذلك أزاح الصمامات الإلكترونية الكبيرة الحجم والقليلة الكفاءة والقليلة العمر ، وتحول الترانزستور الى مفتاح (Switch) سريع للغاية بهذه الطريقة ، كان أساس البوابات المنطقية (Logic Gates) للتقنية الرقمية (Digital Techniques) ، وتمكنت تقنيات التصغير من بناء شرائح (Chips) و دوائر متكاملة (Integrated Circuits) ، بملايين الترانزستزرات على شريحة لا تتجاوز مساحتها  1 إنج مربع .
لا يزال علم الفيزياء يقف حائرا أمام هذا الجسيم المراوغ ، فقد أثبتت فيزياء الكم (Quantum Physics) ، أن الإلكترون يمكن أن يختفي في مكان ما ، ليظهر في مكان آخر في نفس اللحظة ! ، أو أنه يتحول الى إلكترونين في بعض المواضع ، وأن له سلوكان ، مادي على شكل كتلة ، وطاقوي على شكل موجة ، كما أن الفيزياء قدمت التأويل تلو التأويل عن مكونات هذا الجسيم ، كان آخرها أن اللبنة الأساسية له هو طاقة صرفة على شكل أوتار (String Theory) ، أي أن المكون الأساسي للمادة ، هو طاقة صرفة ! ، وكأن هذا الإلكترون ، الذي لا تراه أقوى المَجاهر ، يلعب معنا لعبة (الغميضة) ، ويتحدى عقولنا !.