العراق إلى أين ؟

 

نعم أيها البلد الجميل .. الى أين ؟

بكل حضاراتك وبطولاتك وأسمك الذي تعشقه القلوب.. الى أين ؟

كيف أصبح هذا حالك أي يد شريرة أنتزعت داخلك فتيل الدمار لتقتل وتشل الأيادي التي كانت تبني توقف القلوب النابضة بحب ترابك وأسمك، فرغم كل مامر بك كنتَ كخلية نحل لاتهدأ وكان كل فرد فيك يعمل ويجد وينتجد لكي تكون في منافسة مع أكبر الدول الصناعية والزراعية المنتجة، رغم أني أعرف أن موضوعي عملي بحت الا أنني لاأستطيع التكلم عنه الا بهذا الأحساس وهذه المشاعر هذه الحسرة.

نعم..فقد عشت في بلدي زمن الازدهار وأنا أرى الأن زمن الدمار.. دمار لمضومة كبيرة في العمل والأنتاج المحلي والصناعة المحلية المقتولة

حين كنا نسير في شارع معين من شوارع بغداد ونتكلم لانسمع أصواتنا من كثرة الضجيج وصوت مكائن العمل التي كانت في هذا الشارع وفي كل مكان من هذا البلد كان العمل مقدساً والبناء مستمراً رغم الحروب والحصار وعدم أمكانية الدولة في ذلك الوقت على توفير المواد الأحتياطية لكل هذه الاعمال، ففي شارع الرشيد تحديداً هذا المكان الذي يضم أكبر المعامل لصناعة الملابس والإحذية العراقية.

هذا المكان الذي كان رفيق المواطن العراقي الفقير حيث كان هذا المواطن وبكل بساطة يستطيع ان يكسو جميع اولاده بمبلغ بسيط من المال حسب قدرته المادية البسيطة لان المنتج الذي يشتريه عراقي الصنع وليس مستورداً يضاف الى سعره فقط لانه مستورد مما يجعل هذا المواطن يعجز عن الشراء ويعود الى بيته خالي اليدين لان الاسعار أكبر بكثير من دخله المحدود.

في هذا الشارع التقيت أحد الأشخاص وكان يملك احد تلك المعامل التي تصنع الملابس العراقية النسائية وأعتقد أنه الوحيد المتبقى من تلك الحقبة الزمنية المنتجة.

التقيت الأخ ابو على صاحب معمل للخياطة يقع هذا المعمل ضمن عمارة تضم أكثر من خمس وعشرين شقة كانت في السابق كلها معامل لخياطة الملابس والأخذية واليوم أصبحت كلها مخازن للبضاعة المستوردة الا هو الشخص الوحيد الذي كان مصراً على إن يبقى ينتج ليسمع صوت المكائن الذي قضى عمره وهو مجاور لها عاشقاً لصوتها ولكل قطعة مصنعة تخرج من تحت يد العمال.

فعلى الرغم من الهدوء الذي وجدته في هذه البناية كنت اسمع صوت المكائن يخرج من هذا المعمل فقط .. حين حاورته كان يتكلم بألم وحسرة، حين بدأ الحديث قال:

أتعرفين كان هذا المكان يفتح أكثر من مئة بيت ويوفر العيش لكل هؤلاء لانه مصدر للرزق الكثير وكان بيتي ضمن هذه البيوت، كما ترين هذا معملي البسيط كان فيه أكثر من عشر عمال كلهم أصحاب عوائل وحين كنت أعطي كل عامل أجره في نهاية الأسبوع أشعر بسعادة كبيرة لانني أستطعت أن اوفر لقمة العيش الشريفة لعائلة عراقية.

شاهدي هذه الشقة التي أمامي كانت مصنعاً كبيراً للأحذية العراقية وأيضا كان يعمل به أكثر من عشر عمال وهذه وهذه كل هذه الابواب المغلقة أمامك كانت مفتوحة وصوت المكائن فيها كموسيقى لانها كانت تعيل المواطن وتجعله يعيش بكرامته ويأكل من عرق جبينه.

ففي أشد حالات الحصار التي مرت على هذا البلد كنا نستطيع أن نوفر لعوائلنا وبأسعار زهيدة جداً كل مايحتاج اليه، ولانحتاج أن نستورد تلك الملابس من الخارج والان وكما ترين أنا الوحيد الباقي في هذه المنضومة العاملة، ولكن ليس كما كنت فقد بت أبحث عن العامل فلا أجده وأصبحت أدير هذا العمل بصعوبة فائقة لان الدولة لاتمد لنا يد العون لكي نستمر في العمل على الرغم من أن هذا العمل أهلي وليس حكومياً ولكن في السابق كان هناك دعم حكومي يوفر لنا القماش والخيـــــــــــوط ويوفر للعامل الضمان وحتى المكائن كان تشمل بالضمان، والان وأنا أنظر الى كل تلك المكائن وهي متوقفة عن العمل وليس هناك غير ماكنة واحدة تعمل يصيبني الحزن كثيراً وأشعر بأني مقصر تجــــاه بلدي ولكن الله يعلم أن هذا الأمر ليس بيدي أنا فقط أتمنى أن يعود البلد كما كان منتجاً بجهد ذاتي يقضي على البطالة في البلد.

هذا واحد من ألناء هذا البلد العاشق لترابها

هنا يجب أن نتوقف قليلاً الى أين يسير هذا البلد

ومتى يكون لنا وقفة لكي نعيد تلك الصناعة المحلية للأزدهار كما كانت لنبحث عن الحل عسى أن يلهمنا في أيجاد مانصبو اليه.