توظيف الأمثال في القرآن ج/1

 

"وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ".

  من يقرأ القران يمر بقصة الفرعون واكيد لشهرة الفراعنة وما عرض من افلام ومسلسلات يدرك شدة خطرهم اى عظمة سلطانهم وقوة بناهم الفكرية قبل الانشائية وتأثيره على التكوين النفسي للمجتمع كون الناس يؤمنون بالملموس اكثر من المحسوس. فضلا عن ان الفراعنة يملكون نظاما اجتماعيا واقتصاديا ضخما يؤهلهم لأثبات صحة افكارهم ومعتقداتهم. وهذا ما ذهب اليه قول الفرعون في بيان نجاح معتقده؛ "ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون  (51) أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين (52)". وان اغلب الناس يهمهم قضاء حاجتهم ولا يعنيهم امر العامة او قد لا يملكون أي معطيات تنبئهم بخطأ ما يحدث او ما يحط بهم. وهم بذلك لا يملكون القدرة على مجابهة تلك المعتقدات. مما تقدم يمكن ان نعرف شيئا عن حال الناس وما هية افكارهم وما يدور حولهم .عندما نتجول في بيوت ذلك المجتمع الفرعوني نجدهم مؤيدين له ومعززين مكانته رغم معرفتهم بباطل ما يفعل من ظلم. (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ).

  لكن، كما ورد عن الحديث القدسي الشريف؛ (إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة). ان امرأة الفرعون كان في قلبها شيء لله وكانت تعرف ان الفرعون ليس بإله ولا حتى نصف إله .فتقربها الى الله أضاء الله قلبها وأسرع الى نجدتها ومؤازرتها والقى اليها البراهين من خلال فتح فهمها بلذيذ مناجاته، وذلك باستئناسها بالله دون ملك فرعون فجعلها الله تعالى للمؤمنين مثلا وتثبيتا وتأسيا بها .لحجم معاناتها وصعوبة حالها وشدة فتنتها، فملك مصر وكونها زوجة فرعون يخلع عليها صفة الاله من جهة، وكونها امرأة فتعتبر معارضة الفرعون عمل الرجال فهم اولى بحمل ذلك وحب التمتع بهذا النعيم من جهة اخرى. ولشدة تشابك الامور وتشعبها وصعوبة الفصل بينها ولالتباس الباطل بالحق نجدها تسأل الله جل وعلا اولا ان ينجبها من فرعون كفرد وسلطه، ومن عمله كشريعة وقانون، ومن الظالمين القائمين على تطبق الجور والفساد.

  مما تقدم نعلم انها مؤمنه فاعله ناشطة ومعارضة واعيه حريصة .ولم تأل جهدا في نصرة المستضعفين. ومما لا يقبل الشك انها لم تكن فردا واحدا بل كانت مع جماعة يعملون بالخفاء، وهذا ما يعظم شأنها ويظهر كفاءتها على قيادة تلك المرحلة الحساسة في حياة البشرية. وما يثبت ذلك وجود مؤمن آل فرعون ومحاولاته التي اشار اليها القران في توضيح بعض الامور في شأن خلاف فرعون مع موسى (ع). وتظهر لنا الآيات الكريمة شدة يقينها بالله وباليوم الاخر ومعرفتها بما عند الله في الجنة للمؤمنين من اجر وثواب، من خلال هذا المثل الذي لايبقي لأحد حجة بتلكئه في نصرة الله بدينه، واقامة حجته بما يناسب المرحلة على اختلاف الظروف .ويبدأ ذلك من ان ينصف الانسان نفسه من نفسه لكي يملك العدالة التي تصحح الرؤيا لديه، لمعرفة موقعه ليحدد بذلك احداثيات عمله وطريقة اصلاح نفسه اولا، وهذا ما يظهر كثيرا في الأدعية (لا تكلني لنفسي طرفة عين) .وبإصلاح النفس تسهل معرفة الشر والخير والقبح والجمال، لكونها الأداة التي تجر الانسان الى ملاهي الحياة ونزواتها، والى التشبث بالحياة الدنيا وفتنها، فتأخذ صاحبها الى وادي سحيق مظلم تستهويه اشباح الشياطين حتى لا يهتدي الى سبيل. ونرى امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (ع) واضحا جليا مع نفسه، يعرفها وتعرفه من عزم لايلين ومدربا حاذقا وهو صادق في ما يقول؛ "وَالدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْم حَانَ(1) انْسِلاَخُهُ(2).اعْزُبِي(3) عَنِّي! فَوَاللهِ لاَ أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي، وَلاَ أَسْلَسُ(4) لَكِ فَتَقُودِينِي.وَايْمُ اللهِ ـ يَمِيناً أسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ ـ لاَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهشُّ(5) مَعَها إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرتْ عَلَيْهِ مَطْعُوماً، وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً(6); وَلاَدَعَنَّ(7) مُقْلَتِي(8) كَعَيْنِ مَاء، نَضَبَ(9) مَعِينُهَا(10)".