مؤسسة الدولة!! |
القرن الحادي والعشرين يحمل في طياته تحولات جذرية في آليات ومعنى الدولة وأنظمة الحكم , وما يجري في هذا العالم يؤكد الإنتقالات النوعية المطلوبة. ويبدو أن الصين قد سبقت الدنيا في وعيها لمقتضيات هذا القرن , فأطلقت نظامها السياسي اللاديمقراطي اللاإشتراكي اللارأسمالي , وإنما خلاصاتها والمولود من أرحامها جميعا. وما يعزز هذا التوجه السلوكي العالمي ما حصل في الإنتخابات الأمريكية التي مالت فيها الإتجاهات نحو رجل أعمال ومن الأثرياء الذين يديرون شركة كبرى في العالم. وهذا يعني أن إرادة البشرية قد وصلت إلى مرحلة إدراك أن الدولة عبارة عن مؤسسة أو شركة بحاجة لرجل أعمال يتدبر شؤونها , وما عاد هناك ما نسميه ساسة , فالسياسة عبارة عن قدرات ومهارات سلوكية لإدارة شؤون البلاد والعباد , وهذا يعني أنها صارت من واجبات رجال الأعمال وحسب. قبل عقود قال لي أحد التجار في سوق الشورجة أن فلان الفلاني قد بدأ بتجارة المفرد ومن ثم الجملة , وبعد سنوات قرر العمل بالسياسة , وعندما سأله صاحبنا عن هذه الإنتقالة , أجابه بأن السياسة أربح تجارة!! فما نسميه سياسة المقصود به تجارة , ولهذا ترى في بعض البلدان النفطية قد تحول أصحاب الكراسي إلى أثرياء بالإستحواذ بين ليلة وضحاها , برغم إفتقارهم لخبرات إدارة الأعمال والتعاملات التجارية , وبذلك أصبحوا ضحايا وصيدا سمينا في شباك رجال الأعمال المحترفين. ومن هنا فأن المطلوب من المجتمعات التي لا تزال في متاهات الضلال والأوهام , أن تسترد وعيها وتدرك حاضرها قبل أن يضيع منها كل شيئ وبسرعة مذهلة جدا. فعليها أن تولي أمرها لمن يفكر بتحقيق الربح المادي اللازم لإسعادها , وأن تمنع المغامرين والسذجة من إعتلاء سدة السلطة بذرائع سياسية وحزبية وغيرها من التصورات والتفاعلات الخسرانية , فهذه أمامكم أقوى دولة في الدنيا تدرك بأن القرن الحادي والعشرين يختلف تماما عن أي القرون , ولا بد من إنجاز التغيرات المطلوبة للمواكبة والتقدم والرقاء. فالمنهج المعاصر منهج ربحية وإنتاجية وفرص عمل , وقدرة على الإستثمار الإقتصادي والتطور الإبتكاري على جميع المستويات , ذلك أن سرعة التطورات ذات تعجيل فائق وإمتدادٍ خارق , وطاقة التبدلات ذات إتجاهات ومعطيات أصيلة ومتنوعة في وقت لا يوفر للأدمغة والنفوس الفرصة الكافية للتوافق والتفاعل الإدراكي الرشيد. وعليه فأن المجتمعات الأقوى هي التي تتحرر من قيود القرون السابقة , وتستوعب معطيات القرن الحادي والعشرين , وتمسك بلجام الحصان المعاصر السريع الإنطلاق نحو أهدافٍ مطلقة!!
|