غدا يحل الاول من ايار عيد العمال العالمي والذي تحتفل به شعوب العالم بأسره وخاصة الفئات العمالية التي تشكل جوهر ومحرك الانتاج والاقتصاد العالمي وستخرج النقابات والتيارات والأحزاب , النساء والرجال المنتجين عمال اليد والعقل النير ليتذكروا عالما مظلما يضطهد الانسان العامل لمصلحة الاخر المستغل , ثاروا عليه وحققوا الكثير من المكاسب فالمستقبل لهم والتاريخ لايعود الى الوراء .
التطور والتقدم البشري مرتبط بالعمل والأنتاج السلعي واستعمال الأله من العصا والمحراث والعجلة قديما حتى اعقد المكائن الحالية واجهزة التطور التقني والتي تدار وتوجه حتما بواسطة العقل البشري واليد العاملة الفنية الماهرة التي هي الاساس والجوهر والباقي من الاعمال لاتشكل الا الأدارة والغلاف المحيط المسير والميسر لعمل النواة الصلبه للانتاج والتي هي حتما الطبقة العاملة .
اذا ذهبنا بعيدا فسيكون الحديث ممل ومعاد والمطلوب الحقيقي منا كعراقيين نريد الاحتفال بالاول من ايار هو ان نحاول ما بأستطاعتنا من جهد للبحث في احوال العمل والعمال في الوطن بعد ان كاد يتلاشى كيان اسمه العمل المنتج بتوقف المصانع والمعامل والورش بكافة احجامها وتقادم السنين والايام على ادوات الأنتاج من المكائن والالات دون تحديث او تجديد سواء من كان منها حكوميا او مختلطا او اهليا , بحيث اصبح العد تنازليا للناتج الوطني الاجمالي خارج عملية استخراج وبيع وتصدير النفط والمواد الاولية , وسط تجاهل وجهل حكومي تام ومطبق يقترب من درجة عمل العكس تماما اي المساهمة في تدهور الانتاج السلعي بكافة اصنافه وفتح باب الاستيراد على مصراعيه لكل من هب ودب وامتلك مالا او رأسمالا لا يسأل حتى من اين مصدره .
النتيجة اليوم هي ان العراق بلا عمل منتج والناس يتقاتلون على حصة من العراق والمقصود واردات مجانية للافراد والجماعات من ميزانية الدوله التي لم يساهم احد منهم في اضافة اي رصيد لها من انتاجه والجميع مستهلكين خارج الاطار العام للمفهوم العالمي للناتج القومي للدولة الذي هو بالاساس ريع وربح واضافة اتيه من جهد الفئات العاملة والذي يتحول الى ميزانية سنوية تدير من خلالها السلطة التنفيذية امور البلاد والعباد من خدمات للمجتمع وتحسينات متواصله للعملية الانتاجية لزيادة الدخل القومي وتوفير فرص عمل جديدة .
من المسؤول عن اضمحلال وتشتت الطبقة العاملة العراقية والتي كانت في اوج قوتها وانتشارها في سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي ؟؟نقابات واتحادات وحرفيين , عمال وعاملات وورش ومعامل تزيد ولا تنقص وانتاج متنوع حكومي ومختلط واهلي يقترب ويضاهي الانتاج الاجنبي ويقل عنه سعرا , ورغم تواجد النفط انذاك كرافد اساسي لواردات الدولة من العملة الاجنبية , الا ان العملية الانتاجية السلعية الخدمية لم يتباطئ مسيرها بل بالعكس ساهمت الدولة في عملية تحفيز الانتاج , ورغم ان بعض الامور بدأت تتغير خاصة في سنوات السبعينات والثمانينات بسبب عاملين متناقضين اولهما زيادة ايرادات الدولة من النفط , مع زيادة تخوف نظام البعث من قوة الطبقة العاملة وتنامي نفوذها خارج اطار سيطرته , ليبدأ الميزان بالانقلاب التدريجي ضمن منطق سلطة تعتمد بشكل متزايد على واردات مالية خارج العملية الانتاجية الداخلية مع محاولة احتواء قوة ونفوذ الطبقة العاملة ونقاباتها واتحاداتها مرورا بقانون تحويل العمال الى موظفين السيء الصيت , وتنتفخ دولة النفط وتضعف دولة الانتاج , وتأتي سنوات التسعينات ويضطر النظام البعثي المحاصر وغير القادر على تصدير النفط بالكمية التي يريدها وتقل ايراداته , يضطرويغلق بشكل شبه تام منافذ الاستيراد السلعي وذلك معناه اعادة احياء الانتاج المحلي الذي انتعش فعلا ليزيد مرة ثانية حجم الطبقة العاملة وعموم العمالة المنتجة رغم عدم امتلاكها للتنظيم الذاتي السابق وتواجد النقابات الصفراء المرتبطة بالحزب الحاكم .
طوال سنوات التسعينات كانت الحركة الانتاجية الصناعية منتعشة رغم عراقيل السلطة لان المجتمع يحتاج سلعها , والدولة المفلسة ترمي بالمزيد من موظفيها الى سوق العمل والانتاج الداخلي بعد ان اصبح دخل العامل اضعاف دخل الموظف ليستمر الحال حتى العام 2003 وسقوط نظام البعث بأرادة خارجية قبل توفر البديل الموضوعي الداخلي القادر على الادارة بنجاح واقتدار .
ماحصل من ضعف وتدهور واضمحلال وتلاشي للعمل المنتج والقوة العاملة في وخلال السنوات العشرة الماضية سببه الاساس ضعف الادارة الحكومية امنيا وخدماتيا وعودة الاعتماد وبشكل مطلق هذه المرة على مايتوفر من واردات تصدير النفط المتزايدة عام بعد عام بيد ادارة ضعيفة غير مستقرة ينخر في كيانها الفساد , وهذا التدهور المستمر للعمل المنتج ادى بالضرورة الى تناقص اعداد العمال وتحول حتى نقاباتهم الجديدة الحرة عن الارادة الحكومية الى هياكل غير فاعلة تتنافس على شرعية التمثيل بدل السعي نحو العمل المشترك لادارة الحوار او الصراع مع اجهزة الدولة , هذه الدولة التي تعيش ليومها ولا تستطيع التوازن او ايجاد الحلول العملية حتى لابسط مشاكل العمل والانتاج بحيث تحول عشرات او مئات الالاف من العمال ممن يعملون كموظفين حكوميين تحولوا الى عاطلين وعبأ يقبض راتب قليل بدون عمل لان معاملهم السابقة واجهزتها قد نهبت او تحطمت ولا ادارة جديدة فاعلة لها القدرة او الارادة على البناء الانتاجي من جديد .
لا كهرباء مستمر ولا امن متوفر ولا استقرار معناه غلق وعطالة المعامل والورش الصناعية والخدمية والمعنى الاعم والاهم هو تسريح العمال وضهور البطالة المقنعة في الاجهزة الحكومية , وما زاد الطين بلة هو الاستيراد الشامل والمفتوح للسلع الاجنبية الرخيصة الثمن سيئة الصنع بلا قوانين تمنع او حسيب ورقيب .
في زمن النظام السابق امتص سوق العمل بطالة الموظفين وزاد الانتاج وقل التذمر رغم قساوة الظروف انذاك ومن الاجحاف القول بأن النظام السابق كان مستمرا بقوة الحديد والنار , بل الاكثر واقعية هو القول بأنه كان مستقرا بقوة الطبقة العاملة والعملية الانتاجية الداخلية ولم تستطع غير قوة خارجية ان تزيحه , واليوم مايجري هو العكس رغم كل محاولات الترقيع حيث لاسوق عمل حقيقي لامتصاص زخم وحاجة الشباب للعمل وتوفير اضافات للدخل القومي بصورة شرعية وطبيعية لا جعلهم على الهامش كل مايمتلكونه عمل مؤقت في بسطيات او جنابر بائسة , ويخطئ من يظن ان واردات النفط الحكومية قادرة على التعويض لانها لاتولد غير الفساد والمفسدين , لتكون النتيجة تحويل الشباب القادر على العمل نحو التذمر والمعارضة والأنزلاق نحوالفوضى وحمل السلاح الغير شرعي .
نصيحة اخيرة لحكومة ربما لها عين تقرأ أو اذن تسمع ان اعيدوا احياء صناعاتكم الوطنية وتشريع قوانينها الحامية وتوفير احتياجاتها المادية والتقنية وبناها التحتية , ليعود بذلك الأستقرار وتشغيل العاطلين والعمل المنتج وعنصر الانتاج الاول الطبقة العاملة .
|