الثقافة المعمارية!!

 

الصحف والمواقع العربية تكاد تخلو من المقالات التي تتناول العمارة وفنونها ودورها في الحياة وتأثيراتها على السلوك.

ومن الواضح أن الجهل المعماري هو السائد في مجتمعاتنا , بل أنها تعاني من أمية معمارية فائقة , وهذا التجاهل المروع يساهم في سلوكيات الخراب والدمار الحضاري العاصفة في أرجاء العديد من البلدان العربية.

ذلك أن للعمارة دورها التعليمي ومؤثراتها السلوكية على المجتمعات البشرية , بما توفره من بيئة تفاعلية وإنعكاسات جمالية ذات قيمة إنسانية ونفحات حضارية , تعزز قيمة الإنسان وتحفز فيه طاقات الإبداع والإنتماء لأرضه ووطنه , وتتوطن أعماقه وترسم خارطة ذطرياته ومنطلقاته الحياتية.

وبسبب خواء الثقافة المعمارية في مجتمعاتنا فأن السعي الدائب يكون نحو الخراب وبناء ما يزعج العين ويؤذي الذوق العام , ويشارك في تأهيل الناس للتفاعلات السلبية والعدوانية والتخريبية , فالسائد أن في مجتمعات تتمتع بأمية عمرانية , يكون النشاط الأكبر تخريبي وتدميري إمحاقي , لعدم تحقق التواصل والتواشج الحياتي ما بين الفرد ومحيطه , لفقدانه لقدرات الجذب وعجزه عن إشاعة روح المحبة والإنتماء إليه , فتضيع الألفة والتسامح والإعتزاز بالعمران وما يؤسسه من مؤثرات إيجابية.

فالعمران الجميل البهيج يدفع بالناس إلى الوصول إلى درجات إنتمائية عالية , ويفتق فيهم روح التفاعلات الإنسانية السامية المتناسبة مع الجمال العمراني الذي يغمرهم , ويشجعهم على التفاعل المتناسب معه والمعبر عن أفكاره ومنطلقاته الجمالية.

لقد أغفلت مجتمعاتنا الثقافة العمرانية , وتناستها الحكومات المتعاقبة , بل أن بعضها قد وفر أسباب عدائها ومناهضتها , حتى غابت التصاميم الجميلة والعمارات الشاهقة ذات الإبداعات الفنية والبيئية الصالحة لبناء المجتمع , وأكثر التصاميم , إن وُجدت , تكون مستوردة.

ويشذ عن ذلك عدد من دول الخليج وخصوصا دبي التي تتجلى فيها روائع التصاميم العمرانية , وجماليات الأبراج الشاهقة المتكاتفة التي تمنح الناس شعورا بالقوة والعزة والكرامة والمعاصرة والقدرة على صناعة الحياة الأفضل.

وبغياب الوعي العمراني العربي , وإنتفاء الثقافة العمرانية في المجتمع , فأن المنطقة تمارس سلوكيات الخراب والدماء ومعاداة الجمال والقوة , وتناهض التطلع نحو آفاق ذات منطلقات تسامحية جمالية إنسانية سامية , وتغرق في دماء ذاتها وموضوعها , ولكي تتعافى عليها أن تعطي دورا مهما للثقافة العمرانية وتنشرها في الأجيال التي عليها أن تعاصر وتكون.

فهل سنتثقف عمرانيا لكي نعمّر بلداننا؟!!