السلام والمصالحة هدف الشعوب وحقها الأساسي وليس لعبة الساسة والمصالح.




السلام حينما يكون نهاية لهدف إنساني ولمشروع وطني لا بد له كي يثمر نتائج حقيقية أن يكون سلاما عادلا ومنصفا وثابتا وله قاعدة من الثوابت التي لا تنتهك مستقبلا، هذا السلام لا بد له من أن ينتمي لحقبة جديدة تطوي حقبة منتقدة ومنحرفة أصلا، ويعالج مشكلة وطنية وليس مشكلة أحزاب وكتل سياسية ومكونات تنتمي لهاجس طائفي متناحر، السلام لا بد له أن يولد عراقيا ولأجل العراق الواحد ولأجل هوية تجمعنا على غاية نبيلة وهي الخلاص من أسباب الواقع ومبرراته وعلله، بذلك يمكنا أن نجلس على طاولة كمواطنين لدينا هواجس مشتركة ولدينا جوامع نريد أن نسير بها للأمام.
المبادرة بالشكل الذي طرحت به مشوهة وملغومة وتحمل الكثير من التناقضات التي تعمل كفتائل تفجير منها على سبيل المثال ف4 من مدخل التسوية التي تنص على (تعتمد المبادرة على مبدأ التسوية التي تعني الالتزامات المتبادلة بين الأطراف العراقية الملتزمة بالعملية السياسية او الراغبة بالانخراط بها، وترفض مبدأ التنازل أحادي الجانب)، هنا يعود الحديث عن العملية السياسية التي تعني ضمنا أنها أستمرار لذات النهج السابق بإدخال أطراف أضافية لها بما تحمل من أهداف وأستحقاقات يجب أن تمنح لها مقابل أنخراطها في التسوية، وهذا ما يزيد من عبء التكلفة وزيادة في تعقيد المشهد السياسي القادم وتضخيم لأساس المشكلة التي قادتنا لهذه التسوية، وأيضا سيقود لتوسيع ساحة المحاصصة أولا والأستجابة لطلبات جديدة التي ستفرض واقعا أضافيا وتراكميا على أساس العملية التي نحن بصدد إدانة نتائجها القريبة والبعيدة.
وحتى نكون جادين أمام أستحقاقات السلام على المستويين السياسي والأجتماعي والدستوري علينا أن ننتبه لخلل كلي في قضية التسوية المعلنة، هو خلل يتعلق بنقصها أهم خطوتين أساسيتين لصنع السلام، حتى تكون تعبيرا حقيقيا عن ولادة سلام ممكن ومشرف ودائم ومنصف، 
الحقيقة الأولى والأهم أنها لن ولم تدين هذه الوثيقة نتائج فترة ما قبل صدورها، ولم تنتقد أداء المخرجات السياسية والفكرية والسلوكية للعملية السياسية والدستورية الفاسدة، بل غطت عليها تماما بصيغة لا غالب ولا مغلوب ومنحتها العفو والشرعنة وإهدار كل الأسباب والمسببات والتي قادتنا لما يحدث الأن، هذا يعني أعلان صريح وواقعي ودستوري وقانوي بعد تبنيها من قبل مجلس النواب حسب الخطة وبمباركة المرجعيات الدينية لكل مرحلة الفساد والنهب والقتل والسرقات وهدر وجود العراق كدولة ومصالح شعبه ومستقبل وجوده.
إن تشريعها للفساد وللسرقات وللجرائم التي ارتكبت باسم العملية السياسية المنحرفة والتي قادت العراق لهذا المصير سيكون مكافأة للإرهاب ومكافأة للجريمة ومكافأة للفساد وتنميته وتوطينه تحت شعار السلام والمصالحة، هذه النتيجة ليست مجرد خيالات ولا أوهام كما يقول البعض بل هي نصوص أساسية في الوثيقة ثالثا من المادة سادسا الثوابت والتي تنص على ما يلي حرفيا (الاعتراف الرسمي والملزم لجميع الأطراف بالعملية السياسية ومخرجاتها وما يستلزم ذلك من تبعات ومسؤوليات على شتى الصعد السياسية والقانونية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والدينية، ورفض الابتزاز السياسي مهما كان نوعه، والاعتراف الملزم بنتائج الانتخابات الحرة النزيهة والامتناع عن ممارسة الازدواجية في المواقف تجاه شرعية النظام السياسي العراقي (قدم بالحكم وقدم بالمعارضة) بما في ذلك وقف التحريض ضد شرعية النظام السياسي القائم داخليا وخارجيا)، هذا النص يخضع الجميع شعبا وقوى سياسية لتفاهمات الأطراف السياسية الموقعة على الإقرار بكل نتائج العملية السياسية السابقة بعنوان واقع حال لا يمكن مناقشته أو أنتقاده، هذا النص الكارثة هو من سينسف السلام المنشود عندما لا يمكننا أن نحاسب أحد على جريمة أو أنتهاك أو فساد، لأن منطق المبادرة يقول (من دخل دار أبو سفيان فهو أمن) بغض النظر عمن سيكون أبو سفيان الذي تشير له المبادرة. 
ثانيا لو عدنا للتجارب الإنسانية في هذا المجال وقبل هذه الوثيقة ولمجتمعات تحولت بالفعل للسلام الأجتماعي والسياسي، لا بد أن نتذكر أن هناك مسألة أساسية حسمت قبل الشروع بتنفيذ خطة السلام، وهنا يجب أن تحسم قبلا ومن ضمن مشروع المصالحة حتى يكون الهدف حقيقيا وجادا ليس جمع المتناقضات على سطح واحد وعنوان ضبابي مشوش، بل سيكون الهدف جمع الرؤى والمشاريع والقضايا الإشكالية محل الخلاف على أساس عامل مشترك واحد، هذه المسألة هي قضية المحاسبة عن أخطاء كبرى وجرائم وطنية مورست بحق الشعب والوطن، وبعد إدانة الفترة السابقة ومنهجها الذي أوصل العراق لهذه المرحلة.
حتى في الطب عندما تريد أن تعالج جرح لئلا يتطور ويستعصي على العلاج عليك بتنظيفه أولا قبل أن تغطيه وتعالجه بما يستوجب، بقاء الفاسدين والسراق والقتلة دون محاسبة ودون إبعاد عن الفعل السياسي، يعني بقاء نفس العلة التي جاءت وهدمت السلام والوحدة الوطنية ومارست كل أسباب الفشل والفساد، لذا علينا قبل أن نجلس سويا أن نعلن عن ثلاثة مبادي أساسية ومحورية لأثبات العزم على بناء مجتمع خال من العنف والتطرف والفساد والمحسوبية والمحاصصة وهي:
• أولا أعلان وفاة المحاصصة بكل أشكالها وصورها وتطبيقاتها ونتائجها السابقة، وإعادة الأعتبار للقانون العراقي النافذ ومنحة الحق في إعادة ترتيب الواقع الوظيفي والسياسي بما يتطابق مع مبدأ المساواة والكفاءة والنزاهة، وبالتالي الدخول للعملية السلمية سيكون بعنوان مواطن عراقي واحد في وطن عراقي واحد.
• ثانيا أعلان عن إعادة محاسبة كل الفاسدين والمفسدين والسراق ومن أجرم بحق العراق، ورفع أي غطاء سياسي أو أجتماعي أو حزبي أو فئوي أو جهوي عن أي متورط مهما كان موقعه أو وظيفته، ومنح القضاء العراقي منفردا أو من خلال لجان قضائية وسياسية أممية، أو محكمة مشتركة مع الأمم المتحدة لمحاكمة كل رموز الفساد والقتل وأنتهاك حقوق الإنسان تشابه محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا وغيرها من المحاكم المتخصصة.
• الثالث العمل على تثبيت مبدأ الدستور بإعلان جازم وحاسم وفوق كل التشريعات النافذة والتي ستشرع ولا يجوز مخالفته بأي حال من الأحوال، بأن العراقيون جميعا متساوون في المواطنة ولا يمكن تفضيل أحد على أخر بأي صفة ولا بأي وصف ولا أعتبار غير المواطنة، وتصحيح كل القوانين والأنظمة التي منحت فئات خاصة أمتيازات وحقوق فوق القانون، بذلك يمكننا أن نتكلم عن مصالحة وعن خطة سلام وعن أمل بعراق جديد.
السلام ليس مستحيلا ولا يمكن أن يكون بعيدا عن شعب عانى ويعاني كل يوم من الإرهاب والتطرف والعدوان والجريمة والفساد، ولكن لا يمكن القبول بسلام بين الفاسدين أنفسهم وبين تجار الحروب ومنتهكي حقوق الإنسان، السلام إرادة شعب وقرار أمة تريد العبور للمستقبل وهي مضمدة الجراح، كي تعيش السلام وتبني وطن خال من أسباب التنازع والصراعات القاتلة، السلام قبل أن يكون شعار وخطط هو ثقافة ورغبة حقيقية بقبول الأخر والقبول بنتائج السلام ومتطلباته التي أولها خلو المجتمع من فايروسات التصادم وبذور الشقاق والأختلاف.
وحتى يكون السلام ناجزا علينا أن نبتعد عن الأسباب الأولى التي أنشأت الصراعات والحروب والإرهاب، علينا التخلي عن نظرية من ليس معي فهو ضدي وأن نتخلى عن زج العناوين الفرعية بتفاصيل كلية، علينا أن نتخلى تماما عن الشعور بالتفرد السلبي تحت عنوان حماية الطائفة والأقلية وحماية المذهب والعقيدة، علينا أن نقر المدنية في مشروع إدارة الدولة في ظل السلام، وعلينا أن نحتكم لديكتاتورية القانون وسيادة الدستور في أحترام وجوده، وعدم التجاوز عليه وعلى اداته القضاء المستقل والحيادي والذي يضمن للجميع المساواة قبل العدل والعدالة قبل أهمية تطبيق القانون، السلام يعني أن نحيد التربية والتعليم من تأثيرات المذاهب والديان والأفكار العنصرية والشيفونية ومنحه هوية وطنية واحدة، السلام سيكون سهلا وممتعا ومطلبا للجميع عندما لا تفرض الوصاية على ابناء البلد بحجة الحلال والحرام وتمارس الإقصاء والتعدي ومنع مظاهر الحياة الحرة الكريمة المتاحة للجميع وتنمية مظاهر الجمال والفن والأدب.