يرعى ويه الغنم وياكل ويه الذياب |
رحم الله عالم الاجتماع المرحوم علي الوردي فقد شخًص وحلًل شخصية الفرد العراقي حيث وصفه بالبدوي الوهَاب النهَاب .. يغزو وينهب ويقتل من جهة ويكرم الضيف ويجزل العطاء من جهة اخرى .. ورغم هذا الوصف فأن الفرد العراقي ودون ارادته مرً بحروب لم يشهد مثلها اي بلد على الاطلاق فما ان تنتهي حرب حتى تبدأ حرب اخرى يكون وقعها اشد عنفا وضررا على هذا الفرد الوهَاب النهَاب .. وهذه الحالة حالة نادرة ينفرد بها العراق عن الدول الاخرى لذلك كان تغيير القيم لدى الشخصية العراقية مرتبطا بتغيير الظروف التي يمر بها البلد .. ولو رجعنا الى الوراء قليلا لوجدنا ان قيمة الشجاعة كانت مقترنة بقيمة السرقة ومنها انطلق المثل الشائع " الما يبوك مورجال " ولايستحق ان " يكعد بالديوان " .. وان الموظف الفاسد الذي يبني بيته من سرقة المال العام والاختلاس ينظر له المجتمع نظرة " انسان ناجح " استطاع ان يكون نفسه في زمن صعب والانسان الامين المخلص في عمله الذي يبحث عن لقمة الحلال يقولون عليه " مدبر نفسه غشيم " وهذه هي اشكالية المجتمع العراقي .. حتى الرؤساء الذين حكموا العراق لم نتعلم منهم القيم النبيلة بقدر ما غرسوا فينا قيم البداوة المبنية على لغة العنف في التعامل مع مفردات الحياة الاجتماعية حتى كانت البندقية هي الرمز الشاخص في خيالهم.. حتى مناهجنا الدراسية مبنية على الغلو والمفاخرة بالماضي وفق معطيات طائفية تتلون مع نوع النظام وتوجهاته المذهبية .. فلو قارنا بين الحياة الاجتماعية في بغداد اليوم وبغداد الامس لوجدنا هناك فرق شاسع فبغداد الامس كانت عامرة باهلها الطيبين كانت فيها العائلة العراقية تعيش حالة الاطمئنان والالفة والمحبة داخل المحلة الواحدة كان سكان بغداد يتحلون بالبساطة والطيبة وحب الخير كانت المرأة البغدادية تعيش حياتها في كنف عائلتها بطمأنينة واحترام .. كانت المرأة اكثر جمالية واكثر رقة بملابسها المحتشمة .. كان الجو في بغداد ايام زمان يختلف عن الجو الحالي حيث تحس ببرودة تلسع جسمك اثناء الليل كانت اجواء الحياة في بغداد اكثر رومانسية رغم بساطتها فلم يشعر البغدادي بمضايقة اثناء تجواله وعمله .. فكان يستيقظ صباحا مع افراد اسرته على صوت بلبل يغرد ينطلق من جهاز الراديو .. وكان الاطفال يشعرون بالفرح عند مشاهدتهم عربة بائع المرطبات او مايطلق عليه " البوبسيكل " حيث يتجمع الاطفال حول عربته لشراء وتناول هذه المواد وهم فرحون واكثر سعادة من اطفال اليوم الذين نخرت بطونهم وسوست اسنانهم الحلويات المطعمة بالمواد الكيمياوية الضارة .. زمان كان كل حي يبرز فيه شخص يدعي المراجل والجسارة والقوة فيكون هو الامر الناهي في المحلة في كل مايتعلق بشؤون السكان ويطلق عليه لقب " شقي " وكان اغلب هؤلاء الشقاوات اصحاب نخوة وشهامة في مساعدة الفقير ومناصرة الضعيف ضد القوي المتجبر .. |