الخطوات الكربلائية في ادبيات الثورة الحسينية


تأتي خصوصية  الزيارة الاربعينية المشهورة في يوم اربعينة الامام الحسين (عليه السلام)  في أنها  تأييدا ومبايعة على النصرة  وتلبية لمقولة الإمام الحسين :إ(لا من ناصر ينصرني) لتهب قوافل المؤمنين تلبية لنداء الحق  والنصرة وتصطف معه كالبنيان المرصوص ،في أعلاء قيم الحق والشهادة التي ضحى من أجلها إلامام الحسين ع وفي هذا السياق الإنساني والوجداني  حيث  تأتي  خطوات سيرا على الأقدام  نحو كربلاء في  حركة مليونية  يقوم بها المؤمنون قادمون من كل حدب وصوب لتجديد  البيعة السنوية التاريخية وتجديد عهد الولاء والوفاء  ولتنديد والاستنكار على ابشع جريمة دموية  في التاريخ الاسلامي نفذتها الايادي  الأثمة بحق بيت النبوة  وبيت الرسالة المحمدية  للنيل من الاسلام وال البيت ع والاجهاز على الدعوة الاسلامية ومصادرتها وتحريف مسارها والقضاء على أئمتها ودعاتها ، وقد  أتسمت الزيارة الاربعينية  بعدة سمات فيها ابعاد  للنهضة الحسينية في احياء هذا الحدث التاريخي السنوي  كونها تشكل الديمومة  لنهضة الامام الحسين الاصلاحية وتعاليمه الاخلاقية ومبادئه النبوية التي حملت شعارات جده النبي الاكرم  وجهاده وكفاحه من اجل ارساء القيم والمفاهيم الالهية على الارض  وبسط قوانين العدالة  ونشر ثقافة وتعاليم الاسلام  الذي لوثته الاطماع الاموية  في السلطة ونزعتهم القبلية  في الوجاهة والصدارة المجتمعية والقبلية في حب السيطرة والتسيد على الاخرين  ان قضية سيد الشهداء هي التي ميزت بين دعوة الحق والباطل وحققت عوامل نهضة الحسين ووقوفه بوجه الظلم والطغيان الاموي وادواته الضالة  وقد حققت ثورة الامام الحسين ع منعطفا تاريخيا في تاريخ الاسلام  وذكراها التي تميزت باسباب الخلود الالهية  التي هيأت للناس احياء هذه الذكرى  الخالدة وديمومتها  من اجل رفع راية الاسلام والمحافظة على تعاليمه وكتابه  وتاريخ النبوة وال البيت الاطهار  وارثهم وعلومهم   حتى قيل ان الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء، وما قام به الامام الحسين في نهضته الاصلاحية كان امتدادا لدعوة الرسول الكريم لنشر الاسلام وهو (عليه السلام) الامتداد الطبيعي للنبي (صلى الله عليه وآله) بنص حديث الرسول: حسين مني وانا من حسين.
 وتاتي خصوصيتها ايضا في استذكار الفاجعة الاليمة التي جرت على اهل البيت (عليهم السلام) في يوم عاشوراء وما رافقتها من المآسي والآلام وتعريف الناس بجور وظلم  بني امية واذنابهم وممارساتهم  العدوانية والظالمة . والتعتيم التاريخي  المتعمد  من قبل الحكومات والأنظمة المعادية لال البيت لمصادرة حقوقهم الشرعية  وتعطيل دورهم الريادي في قيادة الامة ، ان الجريمة المروعة في تاريخ الاسلام والمسلمين التي ارتكبت ضد ال بيت النبوة ومصادرة  الحقوق  طيلة فترات تاريخية متعاقبة  ومحاولات طمس فكر ال  بيت النبوة والاجهاز على تلك الحادثة  فكريا واعلاميا  وبشتى الاساليب  التي اتبعتها سياسات تلك الحكومات المتعاقبة كما تتزامن اقامة الشعائر الحسينية في يوم الاربعين مع ذكرى رجوع الراس الشريف من الشام الى العراق، ودفنه مع الجسد الطاهر في يوم العشرين من صفر كما جاء في الروايات، ويسمى هذا اليوم في العراق ( (مرد الراس الشريف )  والتي تفضح وحشية  السلوك الانتقامي والوحشية  في القتل ،فتقام الشعائر استذكارا لهذه الحادثة الأليمة بكل سماتها الاخلاقية والثورية  والعاطفية ، وبرزت ابعاد  الزيارة الأربعينية صداها الإعلامي الواسع و على مستوى العالم أجمع وذلك لتوافد الحشود الغفيرة من أغلب بقاع العالم لإحياء هذه الشعيرة المقدسة ولكي يتوحدوا تحت راية أبي الأحرار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) الذي جسد لهم الحرية و الإباء و الثورة على الظالمين الجائرين وجسد لهم معاني الخلق العظيم الذي ورثه من جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام )  في ملحمة الطف حيث تتوافد  الجموع الغفيرة لتخلد ذكرى لم يحصل مثيلها في التاريخ  في سبيل الحفاظ على الدين و الحرية و حقوق الإنسان والتي أصبحت ملاذاً للثائرين ضد الظلم و الجور فقضية عاشوراء كانت و مازالت تدافع عن كل مظلوم و تدحر كل ظالم و هي القضية الوحيدة التي برزت رغماً عن الذين حاربوها و حاولوا دفنها في طيات التاريخ و هي القضية التي هزت مشاعر و ضمير الإنسانية لتفيقهم من سباتهم و هي القضية التي حافظت على استقامة و بقاء الرسالة الإسلامية. بكل امتداداتها الثورية الحية  ومفاهيمها الرسالية والانسانية  والتي لم تختص بمذهب من المذاهب أو دين من الأديان أو فئة محددة بل هي تضم جميع الأديان و المذاهب و الفئات على مختلف أنواعها؛ لأن الإمام الحسين (عليه السلام) خرج من أجل الإنسانية و إحقاق الحق و نبذ الباطل عن جميع العالم و ضحى بالغالي و النفيس من أجل أن تكون كلمة الحق هي العليا في اعلى قيم الفداء والتضحية  والشهادة
إن خلود المسيرة الحسينية شيد على إحياء الرسالة الحسينية و تطبيقها في حياتنا الطبيعية وذلك لما له من الأجر العظيم عند الله تعالى و أيضاً لما له من الصلاح في المجتمع كما قال الحسين (عليه السلام): (ما خرجتُ أشراً ولا بطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في امة جدي للامر بالمعروف وألنهي عن المنكر) هذا ما تعلمناه من مسيرة النهضة الحسينية وخطواتنا باتجاه قبلة الاحرار ومنار الحرية  التي رسمت لنا أسمى الأهداف لنجعلها منطلقاً لحياتنا فكيف لا تكون المسيرة الحسينية خالدة الوجود ثابتة الخطى رغم كل ما
تعرضت  له هذه الزيارة الأربعينية  التضامنية والوقفة المؤيدة للامام الحسين وثورته البطولية  بالشعارات  والهتافات المؤيدة والمتضامنة والمعلنة  وقوفها الى جانب الحق  بعد ان خذلته  الناس  خوفا او بطشا او طمعا  برضا قوة الباطل المتمثلة ببنو امية وكل السلطات والخكومات المتعاقبة التي اشهرت عداءها ضد  ثورة الامام الحسين  وكل المؤيدين والمناصرين لتلك الثورة  الاصلاحية  التي كانت شعاراتها تهدد كل قوة وسلطة حاكمة  تفرض  سلطتها بالظلم والباطل،  وقد تعرضت  الزيارة الى اشوه صور التشويه والعداء وإلى اشنع صور العدائية و المحاربة و محاولة التعتيم عليها سواء إعلامياً أو بالجبر و العنف، أما من الجانب الإعلامي نرى إلى الآن المحاربة مستمرة في التعتيم الإعلامي و محاولة تغيير الحقائق الواضحة و لكن هذا كله لا ينطلي على من عرف معنى كلمة كربلاء؛ لأن كربلاء أرض عزة واباء  لان كربلاء  الحسين (عليه السلام) و مصداقيتها واضحة أمام العاقل و الجاهل فكل من ينسب إليها السوء أو يحاول التعتيم عليها فما يزيدهم غير تخسير، و أما من جانب منع زيارة الأربعين المقدسة بالجبر و العنف فالتاريخ يشهد على التضحيات التي قام بها زوّار الحسين (عليه السلام) من تحديهم لكل السلطات والحكومات الجائرة  التي كانت تقف ممانعة بشتى صور الممانعة والتشويه لمبادئ تلك الزيارة الخالدة  ومحاولات تحريفها وتشويها  اعلاميا  ومخاولات اضطهاد الناس  ومنعهم  من تأدية  مراسيمها وطقوسها بحرية  والتي فشلت كل محاولاتهم  في تحقيق اغراضها  تجاه مواقف اتباع ال البيت المتحمسين  للنصرة والتأييد  لال البيت  واستمرت خطواتهم نحو كربلاء متحدية كل الانظمة القمعية والسياسات الاضطهادية  وكل الوسائل التي انتهجها الارهاب والقوى الظلامية  في محاربة اتباع البيت واستخدام اساليب القتل والتفجير و العنف و قطع الطرقات ومحاولات تفجير مراقد الائمة  و كلما زاد الطغاة في طغيانهم زاد اتباع البيت في قوة ايمانهم و نرى الأعداد تتزايد من كل أقطار العالَم الإسلامي و غير الإسلامي هذا مما تعلمناه من سيد الأحرار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في دفع ضريبة الحرية  بدروس التضحية و.تعتبر زيارة أربعين الامام الحسين (عليه السلام)، ظاهرة فريدة، لم يشهد التاريخ الانساني لها مثيلا، لا في الأديان السابقة ولا الأمم الغابرة ولا في العصر الراهن ولن تشهد الإنسانية مستقبلا كظاهرة زيارة الاربعين ابدا. هذه الظاهرة الخالدة على  مر القرون لانها حدث فريد يخرج من نطاق مقاييس الظواهر الاجتماعية المتعارف عليها.اذا نظرنا وبشكل انساني بحت إلى ظاهرة الحسين عليه السلام وخاصة زيارة الاربعين، واذا ما اخذنا ما لقيه اتباع اهل البيت عليهم السلام من تنكيل وحتى ابادة، لثنيهم عن مواصلة درب الحسين عليه السلام، من قبل الحكام الظالمين على مر التاريخ، بنظر الاعتبار، كان لابد لهذه الظاهرة ان تتلاشى وتندثر وتموت، وتتحول الي مادة للدراسات التاريخية شأنها شأن العديد من الظواهر الاجتماعية والاحزاب والمذاهب الدينية والسياسية، التي اضمحلت واندثرت على مر التاريخ.
ان ما نشاهده اليوم من قبل الفكر المعادي لال البيت واتباعهم من حملات تشهيرية  وطعن واساءة الى مفاهيم الزيارة الاربعينية من خلال اعلامهم المعادي والمضلل للحقائق  ولمفاهيم اداب الزيارة المليونية التي تستفز مضاجع الحاقدين والظالمين وما يمارسوه  من قتل وتنكيل، بواسطة السيارات المفخخة والانتحاريين والاحزمة الناسفة والذبح ومختلف الطرق الأخرى التي لا تخطر حتى ببال الشيطان، التي تستهدف زوار الحسين (عليه السلام)، ما هو الا جانب بسيط من الحالة المأساوية التي عاشها اتباع اهل البيت عليهم السلام، في الازمنة الغابرة، والتي تجاوزت اتباع اهل البيت (عليه السلام) الي اهل البيت انفسهم، فكم مرة سوي ضريح الحسين (عليه السلام) مع الارض وغطته المياه، لإخفاء ضريحه الطاهر ولاخفاء كل معالم الجريمة التاريخية  والتي باءت كل محاولاتهم البائسة بالفشل والاندحار امام قوة الارادة الالهية
ومن الصعب على الانسان تخيل ان يتوجه كل عام ملايين الناس من مختلف انحاء العالم الي مدينة كربلاء حيث مثوى بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام)، وهم يخاطرون بأرواحهم،
ترى ما هو الدافع الذي  يدفع هؤلاء الناس؟
ان يتركوا اعمالهم وبلدانهم ومدنهم ومنازلهم واسرهم، ويسيرون مئات الكيلومترات على الاقدام في الصيف والشتاء في الليل والنهار، ليلتقوا عند ضريح ابي الاحرار وشم ثراه من الذي يدفع الالاف من الناس ان ينفقوا وبكرم سخاء منقطع النظير من مالهم الخاص ويقدموا الخدمات من الماء والطعام والمسكن وكل ما تحتاجه هذه الملايين من البشر الزاحفة نحو كربلاء دون ان ينتظروا منة؟، من الذي يدفع الالاف من الناس، وهم من عوائل ثرية وحتى من اصحاب المناصب والاكاديميين ومن مختلف شرائح المجتمع ، ان يكونوا خدمة لهؤلاء الزوار، ويسهروا علي راحتهم ويخدمونهم بشتى الطرق ويعتبرون ما يفعلونه فخرا  لهم
والملفت ان زوار الاربعين وحركة خطواتهم  باتجاه كربلاء ومنذ القدم كانوا يرفعون شعار لو قطعوا ارجلنا واليدين ناتيك زحفا سيدي ياحسين، هذا الشعار كنا نسمعه، ولكننا نرى اليوم ان الزوار يجسدونه تجسيدا حيا، فكم من الزوار قطعت ايدهم وارجلهم في التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة والكمائن التي نصبت لهم على طريق كربلاء، الا انهم رغم كل ذلك واصلوا الدرب الى كربلاء، بل ان اعدادهم تزداد اكثر كلما كانت التهديدات والمخاطر التي تواجهم اكثر.
قيل الكثير عن سر خلود وديمومة ظاهرة الاربعين، والفت الكتب في ذلك وسودت الصفحات، ولكننا، ورغم ان جل ما قيل في هذا الامر الصحيح، نرى ان هذه الظاهرة هي ظاهرة الهية، اريد لها ان تبقى وتستمر، لانها تستمد طاقتها من اطهر دم اريق ظلما على ثرى كربلاء وبيد اتعس خلق الله، وفي هذا السياق ندرك كلمات بطلة كربلاء الحسين السيدة زينب الكبرى عقيلة بني هاشم وهي تخاطب يزيد في بلاطه وهو نشوان بانتصاره على الحسين (عليه السلام): فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا. وهذه حقيقة تجلت تاريخيا ببركة الهية  وخطوات  دائمة كربلائية ثابتة ومؤيدة  في مراسيم الشعائر الحسينية  الخالدة