مدخل ======== لا يمكن ان يتصور اي جهاز استخباري في العالم انه استطاع ان يقضي على مصادر العدو , وانه جعل البلد خالياً من مصادر العدو فهذا ضرب من الخيال وبعيد عن الواقعية والمنطق ولايمكن ان يقول جهاز مكافح للتجسس في اية دولة بانه استطاع استئصال تجسس عيون العدو بالكامل , ومن هنا تعمل الاجهزة الاستخبارية بفن وحرفية في اسلوب التأثير واحتواء مصادر العدو الموجوده على الارض . بل انها قد تغض النظر احياناً عن عيون للعدو وتسعى الى ان توصل عبرها الى العدو بمعلومات مغلوطة او مضخمة لارباكه, فالحكمة تقول :ان عين تراقبني واعرفها هي افضل بكثير من عين تراقبني ولا اعرفها, لذا تتفنن اجهزة مكافحة التجسس في مجال التاثير وتأطير وتحرير وتسخير وتدوير مصادر العدو. فلنتصور اننا في البيت وهناك غرفة واحدة فيها كاميرات مراقبة , سنلاحظ كيف نتصرف في جميع انحاء البيت بشكل آمن من الرقابة , ولكن عندما ندخل غرفة الكاميرات فاننا نتصرف بطريقة محددة نوصل من خلالها لمن يراقبنا اي انطباع نريده ان يقتنع به , وفي ذات الوقت نشعره اننا لانعلم بأمر الكاميرات كي يتصور انه يراقب بشكل صحيح ومسيطر على الامر وانه يستحصل اشياء سرية مهمة . اما اذا أشعرناه اننا قد كشفنا كاميرته , فانه سيعتبر ان كل ماجعلناه يراه من تصرفاتنا هو ايهام , وسيسعى الى نصب اجهزة مراقبة اكثر دقة ولانعلم عنها شيئاً , ونكون قد اضعنا فرصة ضخ انطباعات زائفة عن تصرفاتنا اليه, وهذا هو جوهر احتواء مصادر العدو. فمكافحة التجسس لاتعني بالضرورة اغلاق منافذ العدو وعيونه , وانما يتعداه الى التفكير في كيفية تدوير العمل الاستخباري والاختراق وجعل عناصر ومصادر العدو تحت ادارتنا من بعيد لنحقق افضل حالات الجهد الاستخباري المضاد. ============ اساليب الاحتواء ============ تسعى اغلب الدول والجيوش الى كافة الاساليب لجعل عين العدو لا ترى الصحيح , فيذهب البعض لانتاج دبابات من خشب وحقول الغام بل حتى سواتر معركة وهمية واشارات وشفيرة وهمية واتصالات وهمية بالاجهزة ضمن الحرب النفسية فقط لخدعة العدو وارباكه ومن ثم سيبني قراراته على اساس معلومات مغلوطة . وتضع الاستخبارات الذكية برنامج عمل مدروس ودقيق لجعل مصادر العدو تحت الادارة الخفية ضمن حدود الدولة للتلاعب بهم , وهناك نوعان من الاساليب لادارة واحتواء مصادر العدو: ادارة غيرمباشرة , واخرى مباشرة . و تختص الادارة غير المباشرة بمصادر العدو غير المعلومين والذين نتصور انهم منتشرون حتماً , فيتم هنا طرح المعلومات المغلوطة بشكل مكشوف , وضخ مانريد من معلومات لأرباك اي جامع للمعلومات وجعله ينقل الى مشغِّليه معلومات غير صحيحة . ان الاداره العامة لمصادر العدو يجب ان تعمل وتنشط في كل وقت وتقوم بواجبها من خلال عقول ذكية في علم الاستخبارات والتجسس ومكافحة التجسس وعلم النفس الاستخباري مع اذرع اعلامية قويه وانتشار صحيح للمنتج وبشكل طبيعي ومنطقي وهاديء. اما الادارة المباشرة فتختص بمصادر العدو الذين يتم كشفهم دون ان يشعرون , ومن ثم احاطتهم بأساليب مختلفة من التضليل والتأثير والمعلومات الكاذبة وكأنها اسرار خطيرة . وطبعا يتم انتهاج الاسلوبين بشكل يتناسب مع خطة مكافحة التجسس بحسب معرفتنا بمصادر العدو واماكن تواجدهم ونوع المعلومات التي يبغونها. =============== اجراءآت الاحتواء =============== يتم عادة اتخاذ مجموعة اجراءات من قبل الجهاز الاستخباري المختص سواء للاسلوب المباشر اوغير المباشر , واهم تلك الاجراءآت هي : 1- التأطير: ونعني به انتاج معلومات فيها مقدار من الصحة لكنها مؤطرة اما بالتغليض او التضليل او الخدعة , اي ان اصل المعلومة صحيح , ولكن فيها مغالطات واخطاء وزيادة او نقصان متعمد ومضخم , كأن نقول انه قد تم ارسال الوحدة كذا الى المنطقة كذا ,وهذا يكون صحيحاً لكن نضيف اليه التضخيم في القوة وانواع اسلحتها والصنوف المتجحفله معها وهكذا قد تكون القوه من 100 مقاتل لكننا نؤطرها باضافات كثيرة ومختلفة. 2- التدوير : انتاج معلومات باساليب مختلفة وبخبر واحد, اي تكرار الخبر بعدة صور وقصص مختلفة بغية تأكيدها في عقول مصادر العدو. ومثال ذلك انتاج نفس الخبر لكن بجغرافيا مختلفة, كأن نقول ان تلك القوه تمركزت قرب الموصل , ونعود ونقول انها قرب الحويجة ومن ثم ينتشر الخبر بان القوة على مشارف الرطبه وهكذا يتم تدوير الخبر عده مرات. 3- التأثير :بانتاج اخبار مؤثره وجاذبة تفتح شهية شبكة معلومات العدو, ومثاله طرح معلومات ملفتة للانتباه كأن نقول ان القوة الفلانية قد تم تكليفها بمهام البحث وقتل البغدادي , مما يجعل العدو يبحث عن هذا الخبر ويستنفر شبكة معلوماته اليها فتتحرك سواكن العدو مما يمكننا من كشفه. 4- الانذار او الاستنفار: ويتم باطلاق معلومات صحيحة فيها خوف ورهبة للعدو, ومثاله اطلاق معلومات حقيقية مخيفة للعدو , فبعض الدول تقوم بتجارب عسكرية وتعلن الخبر عن مدى الصاروخ وخطورته , او مناورات عسكريه تستعرض فيها مجموعة اسلحة جديدة او اخبار صحفية عن تدريبات او صفقات وغيرها. ان تلك الاساليب الاربعة تشبع العدو بالمعلومات المربكة والمختلفة والمحيرة مما يربك مركز تحليله من خلال تزويده بكم هائل من المعلومات المختلفة والمتنوعة التي تثقل تفكيره وتضيع عليه قدره الفهم. وتلك الاساليب الاربعة تكون ضاغطة على جهاز استخبارات العدو بشكل كبير وتجعله تحت ضغط قيادته السياسية فيقوم بالضغط على شبكة معلوماته ومصادره ويضع اولوياته حسبما نريد نحن وليس حسب برامجه , فننجح بارباك برامج جمع المعلومات لديه , فيضطر لبذل جهود كبيره وامكانيات واموال لترتيب معلوماته مما يدفعه للانفتاح والتجنيد الاكبر والاكثر , فتربك القوة العاقلة التحليلية لديه وتزيد شكوكه بقدرات مصادره , وقد نستطيع زرع من نريد اثناء ذلك في شبكته التجسسية . ان ما سقناه هنا هو مايسمى بحرب الاستخبارات او الحرب البارده او حرب العقول فكما تلاعب خصمك في القتال فان ملاعبة تفكيره وتخطيطه هو الاصعب , وهذا الاسلوب من ابرز واجبات مكافحه التجسس على مبدأ التاثير على تفكير العدو ومصادره. ================= المعلومات الاستخبارية ================= تقسم المعلومات في علم الاستخبارات الى عشرة اصناف هي : 1- معلومات الاشارة : الخبر وبداية الخبر, او رأس الخيط. 2- معلومات استكمال :اي المتطلبات لاكمال الملفات المطلوبة. 3- معلومات معالجة :وهي المعلومات الفورية التي تذهب للمعالجه السريعة كالاهداف والمعلومات المتعلقة بالمعركة والميدان والاستخبارات العسكرية في الجبهات. 4- معلومات مهمة (استراتيجية ) تتضمن الخطط والقرارات والاوامر . 5- معلومات وصفية : الجغرافيا والحالة النفسية والاجتماعية. 6- معلومات كمية( عامه ) : تشمل في الغالب الاحصائيات 7- معلومات دورية :النشاط اليومي والفعاليات. 8- معلومات اعلامية :الاخبار والصحافة والاسعار والحياة اليومية. 9- معلومات نقطوية:وتكون محددة عن هدف او شخصية اومكان او مشروع. 10- معلومات اعتراضية:هي معرفة ماذا يعرف عنا العدو واين يركز واين يبحث وماهو المقدار المستحصل وكيف يحصل على المتبقي. ان من واجب مكافحه التجسس هو التسلسل رقم 10 اي اعتراض حجم المعلومات التي يستخلصها العدو علينا وايجاد خلل وزحزحة الثقة بها واستهدافها لكي يعيد برمجة تركيزه وحرفه الى مانريد , اي نريه ما نريد ان يرى. ================= تجنيد مصادر العدو ================= تنقسم الاداره المباشرة لمصادر العدو الى اسلوبين هما التجنيد العكسي والتجنيد الايحائي, ففي التجنيد الايحائي نكشف الجاسوس دون ان يشعر ونضخ له المعلومات المغلوطة ونضعها في طريقه. اما التجنيد العكسي فيتم باعتقال للجاسوس مع التحقيق السريع معه واقناعه بالعمل لصالحنا من خلال تزويد العدو بمعلومات مغلوطة وكاذبة . ولكن علينا ان نعرف انواع الجواسيس الموجهون الينا ومدى امكانية تجنيدهم , فهنالك عدة انواع هي : 1- جاسوس وظيفي : اي ان العدو يرسل ضابط للتجسس او احد موظفي جهازه الاستخباري , وفي الغالب يصعب تجنيد هؤلاء بشكل مزدوج. 2- جاسوس مجند بالقهر والابتزاز : ويمكن التأثير في هذا النوع من التجنيد وكسبه الى جانبنا. 3- جاسوس عقائدي :وهذا النوع من الصعب تجنيده بشكل مزدوج . 4- جاسوس ثأري او انتقامي : وهذا ايضا من الصعب عكسه في التجنيد . 5- جاسوس بتجنيد مالي : وهذا يمكن تجنيده بالاغراء بالمال. ==================== مكافحة التجسس في العراق ==================== هناك اربعة واجبات رئيسية في العراق لمكافحه التجسس الاول : القضاء على الطابور السادس (وهو ماننفرد به)اي ان هنالك اشخاص في الحكومة ويعملون على اضعافها ويصرحون ضدها ويجعلون اهداف بعض البلدان الداعمه لهم اهم من كل شيء , وهم يستلمون مرتباتهم الضخمة من الحكومة و يضربونها لصالح داعميهم وهذه حاله خاصه بالعراق. الثاني : مكافحه الجواسيس ومعالجة خيانتهم بالقضاء والاعتقال . 3- الادارة العامة او غير المباشره لجواسيس العدو من خلال ماذكرناه من اساليب انتاج الاخبار والمعلومات للتشتيت والتشويش على عيون العدو. 4- الاداره المباشرة لمصادر العدو وهو من افضل الخيارات لانه يدمر تخطيط العدو الاستخباري ويصيب عقل العدو بالارباك. ======= خلاصة ======= يجب على استخباراتنا ان تقوم بادارة تجسس العدو من خلال ثلاثة طرق : 1- مكافحة التجسس والبحث عن جواسيس العدو واعتقالهم . 2- اسلوب الادارة غير المباشرة لجواسيس العدو من خلال خطط لنشر مانريد ايصاله للعدو من معلومات مضللة . 3-اسلوب الاداره المباشرة وهي تشخيص الجواسيس وشبكات العدو والتاثير عليهم والتلاعب بهم . ان من المهم للغاية ان نتعامل مع مصادر العدو بذكاء مفرط , وان نحدد ايهما افضل في كل حالة , ففي حالات معينة يعتقل الجاسوس ويعدم واحيانا يتطلب الامر ان نترك الجاسوس ليطمئن ونزوده نحن بالمعلومات المغلوطة , وهذا الاسلوب الاخير هو الاصعب والامثل والاكثر حرفية , والله الموفق.
|