يتمتع العديد من أعضاء ائتلاف دولة القانون كما يُروى عنهم، بروح مرحة وقدرة غير عادية على اصطياد النكات في أصعب المواقف كآبة ومأساوية، وعلى هذا الاعتبار علينا أن نقرأ تصريحاتهم الأخيرة بشأن إجراء انتخابات مبكرة. والتي بدأت فيها مساحة الانزعاج، وحجم العصبية غريبة وعجيبة، وكأننا أمام عدوان غاشم على قدس أقداسهم، وأن الحديث عن انتخابات مبكرة أمر في غاية الخطورة على مستقبل البلاد، فقد وصف " المتعالمون ببواطن الأمور وأسرارها " من أن دعوة النجيفي هذه تريد النيل من الانجازات الكبيرة التي تحققت خلال انتخابات مجالس المحافظات. ولو سلمنا جدلا أن رئيس البرلمان بدعوته هذه يريد أن يزيد من مصائب العراقيين، وأن قيامه بهذه الطرح ، كما أخبرنا النائب إحسان العوادي " يأتي من أجل تخفيف الضغط الحاصل من جماهيره التي تطالب باستقالته من منصبه " وأن هذه الدعوة تريد الذهاب بنا الى المجهول كما صرح أمس النائب محمد الصيهود، فلماذا اذاً تابعنا مع اعضاء دولة القانون "الافاضل " ومنذ شهور اصرارهم على دفع العراقيين للإيمان بأن إجراء انتخابات مبكرة واقتلاع ما تبقى من الحكومة والبرلمان مهمة قومية ينبغي أن تكتمل مهما كانت التضحيات. وكان رئيس الوزراء في معظم جولاته الانتخابية قد انشد وفي أكثر من مكان "أغنية" حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة من اجل تشكيل حكومة أغلبية.. ومراجعة بسيطة لنشرات الأخبار سنجد أن المالكي وفي صبيحة الخامس من الشهر الماضي قال في كربلاء وبالحرف الواحد: الحل الوحيد لإنهاء المحاصصة هو إجراء انتخابات مبكرة للذهاب الى حكومة أغلبية سياسية، وبعد يوم واحد فقط أكد المالكي نفسه في النجف أن "الاستقرار السياسي لا يتحقق إلا بتشكيل حكومة أغلبية سياسية وهذا الأمر لا يتم إلا من خلال الإسراع بإجراء انتخابات مبكرة "، وبعد أسبوع شاهدناه – المالكي نفسه - ينتقد من محافظة ديالى وبشدة كل الأطراف المعترضة على انتخابات مبكرة، وتكرر الأمر في البصرة وميسان وذي قار وكانت " نغمـة " حل البرلمان والحكومة هي الشعار الذي رفعه ائتلاف دولة القانون في حملاته الانتخابية. وكلنا يعرف أن حماس رئيس الوزراء غير المسبوق لإجراء انتخابات مبكرة هو الذي دفع مقربيه الى السير قدماً في سبيل تنفيذ هذا المشروع، فنجد المستشار الإعلامي لرئاسة الوزراء علي الموسوي يؤكد ومن خلال تصريح لصحيفة الشرق الأوسط أن "المالكي جاد جداً في مسألة الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة والمفارقة أن مَن كان يدعو في الماضي إلى انتخابات مبكرة من أجل إحراج الحكومة ورئيسها هم مَن يعترضون عليها بينما عندما يدعو رئيس الحكومة إلى هذه الانتخابات وهو في السلطة فإنه يعنيها تماماً، لأن بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه إنما هو على حساب الوطن والمواطن. " ولا ننسى التصريحات الموثقة لحنان الفتلاوي وعلي العلاق وعدد كبير من "جهابذة " دولة القانون ممن رفع لواء حلّ البرلمان والحكومة وسمعنا جميعاً " نكتة محمد الصيهود الذي أخبرنا من خلالها قبل شهر بالتمام والكمال من أن مستقبل البلاد يتوقف على "أن يتجه الجميع نحو حلّ البرلمان والإسراع بإجراء انتخابات مبكرة حفاظاً على مستقبل العملية السياسية وانجازاتها وإجهاض مخططات المتآمرين والمندسين". هكذا وببساطة ، فالذين أشعلوا حرائق الانتخابات المبكرة هم أنفسهم الذين ينتفضون الآن غضباً، لأن هناك مَن ألمح إلى التفكير في حلّ الحكومة والبرلمان. المتابعون لتقلبات ائتلاف دولة القانون يلمّحون الى أن رئيس الوزراء كان يتوقع أن يكتسح انتخابات مجالس المحافظات، لكن الرياح جاءت على غير ما تشتهي سفن دولة القانون، ولم يحقق ائتلاف المالكي الغالبية المطلقة.. وأن الرسالة قد وصلتهم وهي أن أكثر من ثلاثة أرباع الشعب لا يُريدهم ولا يثق بخطابهم.. لكن للأسف البعض لا يُدرك أن السياسي الحق هو لاعب لا وجود له إلا في تعدد اللاعبين، وان قانون السياسة يقول بوضوح أن لا لعب إلا بالاعتراف بالآخرين، ومن دون هذا الاعتراف يُلغى اللعب ويتحول إلى صراعات داخل مؤسسات الدولة على مَن ينتصر أولاً. وقبل أن يفيق القراء من صدمة انقلاب المالكي وجماعته على أنفسهم، وقبل أن يضرب الأبرياء أخماساً في أسداس، خرج علينا النائب علي العلاق ليزف البشرى من أن ائتلافه سيقبل بمبادرة النجيفي بشرط بقاء الحكومة في مكانها وعدم الاقتراب من أسوارها. عند هذا الحد لايسعنا إلا ان نتذكر المرحوم "ميكافيللي" الذي اخبرنا ذات ليلة ان السياسة هي فن الكذب والقدرة على إيهام الناس. مبارك للعراقيين الذين يستطيعون الآن ان يناموا ملء جفونهم مطمئنين على ان الحكومة خالدة ابد الدهر.. ولا عزاء للديمقراطية. |