أعظم معاهدة وتسوية سياسية في تاريخ المسلمين(ج1)

 

يدور الحديث خلال هذه الأيام حول التسوية الوطنية،وما بين مؤيد ومعارض،ومتفائل ومتشائم منها، أود التطرق الى الحديث عن أهم التسويات التي جرت في تاريخ المسلمين،لينتفع منها كل طالب مريد.

سنتحدث عن هذه التسوية التأريخية، معتمدين بذلك على كتاب"سيرة سيد المرسلين"للمحقق المعاصر الأستاذ الكبير،الشيخ آية الله جعفر السبحاني، الذي عرف في الأوساط الإسلامية بتحقيقاته العميقة، في الكتاب والسنة والعقيدة والتاريخ،وقد أعتمد في كتابه على كتب الفريقين من السنة والشيعة،كسيرة أبن هشام، وتاريخ الطبري،والطبقات لأبن سعد، والكامل لأبن الأثير،والبحار للمجلسي،وغيرها من كتب السيّر والتاريخ،مما يغني كتابه المشار إليه، الباحث والكاتب عن الطلب والتكلف في البحث عن المصادر.

يذكر لنا الشيخ،أعظم معاهدة تاريخية جرت على يد النبي"صلى الله عليه وآله"،وحسب ماذكرها كُتاب السيرة والمؤرخون،فيقول: 
كان صلى الله عليه وآله قبل دخوله المدينة لا يهمه إلاّ جذب القلوب والدعوة الى دينه،ولكنه اليوم عليه أن يعمل-كصاحب دولة محنّك-على حفظ كيانه وكيان جماعته،ولا يسمح لأعدء الداخليين والخارجيين بالتسلل والنفوذ في صفوفهم، ولكنه كان يواجه في هذا السبيل ثلاث مشاكل كبرى: 
أولاً:خطر قريش وعامة الوثنين في شبه الجزيرة العربية. 
ثانياً:خطر يهود يثرب الذين كانوا يقطنون داخل أو خارج المدينة ويمتلكون ثروة كبيرة. 
ثالثاً:الأختلاف الذي كان بين أتباعه من المهاجرين وبين الأوس والخزرج. 
كانت المشكلة الثانية التي يواجهها رسول الله صلى الله عليه وآله في المدينة هي يهود يثرب الذين كانوا يقطنون المدينة وخارجها،وكانوا يمسكون بأزمة التجارة والأقتصاد في تلك المنطقة.

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله،يدرك جيداً أنه ما لم تصلح الأوضاع الداخلية في المدينة، وما لم يضمّ الى صفوفه يهود يثرب،وبالتالي ما لم يقم وحدة سياسية عريضة في مركز حكومته،لم تتهيأ لشجرة الإسلام أن تنمو،ولن يتهيأ له صلى الله عليه وآله أن يفكر في أمر الوثنيين والوثنية في شبه الجزيرة العربية ولا يستطيع معالجة المشكلة الثالثة أعني قريش بخاصة. 
وبكلمة واحدة ما لم يستتبب الأمن والأستقرار في مقر القيادة لن يمكن الدفاع ضد العدو الخارجي. 
ولقد قام بين يهود المدينة والمسلمين في بداية هجرتهم إليها نوع من التفاهم لأسباب خاصة،لأنّ كلا الجانبين كانا موحّدين يعبدان الله، ويرفضان الأوثان، وكان اليهود يتصورون أنّهم يستطيعون-إذا اشتد ساعد المسلمين،وقويت شوكتهم- أن يأمنوا حملات المسيحيين الروم، هذا من جانب،ومن جانب كان بينهم وبين الأوس والخزرج علاقات عريقة ومواثيق قديمة. 
من هنا حاول النبي صلى الله عليه وآله أن يكرس هذا التفاهم،ويبلوره بعقد معاهدة تعايش،ودفاعٍ مشترك بين الأنصار والمهاجرين وقّع عليها يهود المدينة أيضاً-المقصود منهم يهود الأوس والخزرج-وقد أحترم رسول اللّه صلى الله عليه وآله في تلك المعاهدة دين اليهود وثروتهم في إطار شرائط معينة.

وللموضوع تتمة…