هنالك مُعتَقد سائد بين الناس ، أن مجرد دخول محطات توليد كهربائية جديدة على الشبكة العامة ، هو الحل الجذري للقضاء على هذه الأزمة المستعصية ، وأنا لا أنفي ذلك ، إلا أنه جزء ضئيل من الحل ، لا يتجاوز 20% من الأزمة ، فيُقال أن العراق يُنتج حاليا ما يقارب 15000 ميگاواط من أصل 25000 ميگاواط هي الحاجة الفعلية للبلد ، ولو فرضنا أن وزارة الكهرباء ، أدخلت محطات توليد على الشبكة لأنتاج الطاقة الكاملة السابقة الذكر ، هل يتصور المواطن أنه سيهنأ بالهواء البارد صيفا ، أم التدفئة والماء الحار شتاء ؟ . قطعا لا ، فالمواطن كمستهلك ، لا يتصور مدى تعقيد عملية انتاج ونقل الطاقة حتى منزله ، فالأمر يبدأ بإنتاج الطاقة الكهربائية من مختلف المصادر ، فهنالك محطات حرارية وغازية وبخارية وهيدرومائية تلك المتولدة من المساقط المائية ، وعند محطات التوليد تولد كهرباء بفولتية 11KV ، أي 11000 فولت ، وأرجو التفريق بين مصطلح (KV) كونه يدل على قيمة الفولتية (كيلوقولت) ، و (KVA) ، وهي الطاقة التي تقاس بالكيلوواط ، تُرسل هذه الطاقة الى محولات رافعة للفولتية (Step Up Transformer) ، حسث تُرفع الفولتية الى مقدار يتراوح بين 125-400 KV ، حسب المسافة التي تقطعها هذه الطاقة الى حيث المستهلك والتي تبلغ مئات الكيلومترات ، تُنقل هذه الطاقة بواسطة ابراج الضغط العالي ، وبمسافات حوالي 250 متر بين برج وآخر ، وأرتفاعات شاهقة ، لحماية الناس من خطرها ، كونها لا تصعق باللمس ، بل لمجرد الأقتراب منها ، لأنها تحمل جهدا عاليا جدا ، ويُشترط عدم السكن قرب الأبراج أو تحت هذه الأسلاك ، وعند وصول هذه الطاقة الى الجهة المستهلكة ، على مستوى محافظة أو قضاء يتم خفض هذه الفولتية الى مقدار 33KV بواسطة محولات خافضة للجهد (Step Down Transformer) ، في محطات ثانوية (Substations) ، وتتفرع أيضا الى خطوط ، كل خط يتفرع منه عدة خطوط ثانوية توزع الى محولات خافضة أخرى من 33KV الى 11KV توزع بدورها الى الأحياء السكنية ، حيث المحولات التي نشاهدها في أحيائنا السكنية ، فتقوم هذه المحولات بخفض الجهد من 11KV الى 380V ثلاثي الأطوار أو أحادي الطور220V وتدخل المنازل ، أي أن الأمر يشبه كثيرا تفرع الأغصان الرئيسية الى أغصان الثانوية من جذع الشجرة . وهنالك سؤال مشروع قد يخامر القارئ الكريم ، هو لماذا هذا التعقيد ؟، لماذا لا تسوّق الطاقة على أنها 11KV من المنشأ حتى محولات الاحياء السكنية ؟ دون حاجتنا الى هذا الكم من المحولات ؟ ، في هذه الحالة نحتاج الى فهم مبدأ فيزيائي بسيط في نقل الطاقة . إن أهم مشكلة تبرز في نقل الطاقة ، هو خسارة جزء منها على شكل حرارة بسبب مقاومة الأسلاك ، وهذه الطاقة الضائعة تساوي حاصل ضرب مقاومة السلك في مربع التيار المار به ، لكن المهندسون ابتكروا حيلة ، فما دامت المقاومة أمرا طبيعيا مفروضا ومفروغا منه وهو جزء من المعادلة أعلاه ذات المتغيرين (المقاومة والتيار) ، فلماذا لا نقلل الطاقة الضائعة بتقليل التيار بإعتباره أحد عُنصري الضياع في المعادلة ؟ من هنا يأتي دور المحولة ، ففي المحولة تكون الطاقة الداخلة مساوية للطاقة الخارجة ، أي أن فولتية الدخول مضروبة في تيار الدخول مساويا لفولتية الخروج مضروبة في تيار الخروج ، لكن بالتلاعب بعدد لفات ملف مدخل المحولة (الملف الأبتدائي) وعدد لفات المخرج (الملف الثانوي) ، أي بأمكاننا رفع الفولتية بمقدار 10 مرات مثلا بواسطة المحولة ، ينتج عنه خفض للتيار الى عُشر قيمته ، كي يبقى حاصل ضرب المتغيرين ، التيار والفولتية (الطاقة) ثابتا ، أي أننا برفع الفولتية ، نخفض التيار بنفس النسبة ، وما دام التيار هو المسؤول عن ضياع القدرة ، أمكن حل المشكلة برفع الفولتية بمحولات رافعة ، ينخفض على أثر ذلك التيار ، ثم تسافر لمسافات بعيدة ، حيث المحولات الخافضة للفولتية ، فترفع التيار ثانية . هذه نبذة مختصرة جدا ومبسطة لعمليات نقل الطاقة الكهربائية ، والمتابع العادي لمنظر هذه الأسلاك ، كأبراج خطوط الضغط الفائق التي نراها في الطرق الخارجية ، وهي تعاني (التهدّل Sagging) ، ومناظر أسلاك الأحياء السكنية المثيرة للخوف والشفقة في آن واحد ، نفهم مدى التحدي الكبير ، فالكثير من هذه الأسلاك قد مضى عليها أكثر من 60 سنة دون صيانة ، وهي على مقاس استهلاك تلك الفترة الذي تضاعف مرارا ، أي اننا بحاجة الى استبدال مئات الآلاف من الكيلومترات من هذه الأسلاك ، لتتحمل نقل الطاقة المتزايدة ، وتجديد شامل للشبكات القديمة ، مع أضافة مئات الآلاف من محولات تجهيز المنازل في الأحياء السكنية ، لأن المحولات الحالية لم تعد تكفي ، ونحن نراها تنفجر عند زيادة الحمل ، ونحن لم نرَ أي عمل جاد في هذا الخصوص ، إلا الترقيع المتهالك الذي لا أسميه حلا لأنه يستنزف المال دون طائل ، ولكم أن تتصوروا كلفة هذه المشاريع ومددها الزمنية ، وفي الواقع ، أن أضافة محطات التوليد الجديدة للدخول على الشبكة الوطنية الموحدة هو أبسط الحلول ، ورغم بساطته فهو غير متوفر ! ، ولو كانت هنالك إرادة حقيقية ، وتخطيط علمي يراعي أبسط المعايير ، فلا مفر على الأطلاق من أن تبدأ عمليات الصيانة من عتبات منازل المواطنين ، حيث الأعمدة (التيولة) الملتوية والصدئة والمهترئة لغاية أبواب محطات التوليد ! ، فما الفائدة إذا كانت المحطات تلبي كل إحتياجات البلد من الطاقة ، لكن الأسلاك والمحولات لا تحتمل نقلها !؟.
|