مباحث في الاستخبارات (47) استخبارات الميدان




مدخل
========
فصلنا في مبحث سابق (الحلقة الثامنة من سلسلة مباحث في الاستخبارات )الاستخبارات العسكرية , وقلنا ان استخبارات الميدان هي جزء منها او انها احد اوجهها الهامة , ولأهمية استخبارات الميدان نفرد لها هنا مبحثا زيادة في التفصيل .
المقصود بالميدان , عسكرياً واستخبارياً , هو ارض المعركة صغرت او كبرت , وقد يكون الميدان في بعض الاحيان بيتاً او شارعاً او مساحة ارض من عده كيلو مترات وقد تكون جبال او صحراء او انهر او مستنقعات او بساتين وغيرها.
اما المقصود باستخبارات الميدان , فهي استخبارات الهجوم او الدفاع في قاطع او منطقة او مساحة محددة , وهي جزء مهم من واجبات الاستخبارات العسكرية , فالاستخبارات الميدانية هي مجموعة انشطة استخبارية موجهة ضد عدو واحد واضح وصريح ومحدد وهي ميزان لرصد العدو على المستوى التعبوي وصولاً للانذار او الانذار المبكر .
ان الكثير من الخسائر في المعارك تنتج بسبب فشل الجهد الاستخباري , فالموصل سقطت بدخول 300 عنصر من داعش , ولو كانت لدينا استخبارات ميدان حقيقية لشخّصت مكانهم ووجهت ضربة جوية لهم قبل هجومهم على الموصل بيوم او يومين ولانقلبت موازين المعركة ولما حدث ما حدث , اذن , الاستخبارات تستطيع حسم معارك بجهد بسيط , واحياناً تستطيع حتى تدمير العدو دون الحاجة الى معركة .
=====================
واجبات اس الميدان تجاه العدو
=====================
تسعى استخبارات الميدان الى معرفة بناء قوة العدو واستخدامه لتلك القوة , اي انها تجمع معلومات بناء القوة في الميدان لدى العدو والتيقن من توقيتات استخدام العدو لها وصولاً لحالة التأهب , ونعني بالتأهب , انه مجموعة اجراءات يقوم بها جيش ما للتمكن من خوض المعركة وتحديد ساعة الصفر
ونعني بمعلومات بناء القوة , بانها معلومات عن العدو حول القوة القتالية وتعزيزها ونقل السلاح والمؤون , وانتشار المدفعية ومعلومات المستشفى الميداني للعدو , ثم تتصاعد عملية بناء القوة لتصل الى الاستخدام او التأهب للاستخدام , فهذه المجموعة من الاجراءآت تسمى بفترة التعزيز او التعاظم او بناء القوة , وتسمى استخبارياً بمجموعة نشاطات العدو في قواطع العمليات , وعلينا التنبه الى ان بناء القوة في منطقة ما من قبل العدو قد لاتكون بالضرورة لغرض الاستخدام , فقد تكون للمخادعة , وهنا يكمن دور الاستخبارات التي يجب ان تفهم نشاطات العدو وخطط خداعه.
كما ان الواجب الاخر لاستخبارات الميدان يتمثل في تحديد الاهداف بكل انواعها , المتحركة والثابتة , المهمة منها والبسيطة , ويجب على الاستخبارات ان توفر وتعدل وترتب الاهداف في الميدان حسب الاولوية وطريقة المعالجة بشكل مستمر ويومي وسريع ( كثيراً ما توضع حضيرة القناصيين تحت امر استخبارات الميدان او تكون جزء من ملاك استخبارات الميدان , لانها تعرف الاهداف المؤثرة والمكانات القاتلة ونقاط ضعف العدو).
ان الاهداف الاستخبارية في الميدان تشمل ما يمكن معالجته بالسلاح القوي كالطائرات والمدفعية والاسلحة المتوسطة , وبشكل اجمالي بالنسبة للاسلحة الخفيفة التي يحملها الجنود في الاشتباك , فأثناء الاشتباك لا يحتاج الجندي الى الاستخبارات لانه يرى العدو رأي العين , ولكن الاسلحة الثقيلة والمتوسطة والامداد وغرفة الحركات والاوامر تبنى على ناتج الاستخبارات , فقبل المعركة تكون الاستخبارات عين الجميع , اما اثناء المعركة فانها تكون عين القيادة , لان القيادة تحتاج الى وصف الاستخبارات لادارة المعركة وهو مانعبر عنه بالموقف.
ان المواقف هي ما تحتاجه القيادة في ادارة المعركة منذ اللحظة الاولى حتى نهاية المعركة سواء في الهجوم اوالدفاع , لاننا نحتاج الى معرفة مواقف العدو باستمرار, والموقف يتبدل في لحظات , فقد يهاجم العدو او يقاوم او يتراجع او يخادع او يستخدم نار شديدة او يضرب من احد الاجنحة او يقاتل بنظام معركة كبيرة او صغيرة , فالمواقف تجعل غرفة العمليات ترى بشكل واضح لتخطط بشكل دقيق وهنا يكمن دور الاستخبارات المهم حيث يتحد العقل (اي العمليات) مع العين (اي الاستخبارات) بتناغم وبمستوى عالٍ لنتمكن من تحريك الاذرع (القوات ) .
ومن هنا ندرك ان العدو والوحدات وتنظيم النار وخطة المعركة والتدريب الذي تلقاه العدو ومستوى الاستعداد والامور الفنية الداعمة ونوع القتال , كلها تدخل في استخبارات الميدان , ففي بعض الاحيان , ومن خلال استعداد العدو , نعرف انه مثلا يريد الانسحاب الى داخل المدن وممارسة حرب شوارع او التفاف او تراجع او هجوم صامت او هجوم صارخ .
وهذا يشمل كافة انواع المعارك صغيرها وكبيرها اياً كانت المعركة , فلو ان هنالك وكر ارهابي في بيت داخل المدينة , فلو تعرفنا على عدد الافراد واسلحتهم والوقت الامثل للهجوم عليهم وتفاصيل الوكر لسهل علينا توليف قوة لاقتحام المكان ومهاجمته ولتمكنا من الاقتصاد في القوة والنار, ولو حصلت الاستخبارات على معلومة بأن البيت كله مفخخ وسوف يعمد الارهاب الى تفجيره حين اقتحامه , هنا نعرف نوع السلاح الذي يجب ان نستخدمه لمعالجة الهدف .
ان استخبارات الميدان هي استخبارات عسكرية ضمن المواجهة وتحتاج الى ذكاء وتقدير صحيح ومعلومات والى الاقتراب من العدو وعمق العدو لتوفر المتطلبات , وهكذا فان استخبارات الميدان تستكشف تفاصيل العدو وتجعلنا نفكر ونشكل القوة اللازمة للدفاع اوالهجوم , ونصيب الاهداف بشكل دقيق ومن ثم نعرف ردة فعل العدو وهل سوف يرسل تعزيزات على مبدأ تعاظم القوة او ينسحب على مبدأ تراجع القوة .
وبشكل عام فان استخبارات الميدان تبحث على المعلومات التالية من العدو :
1- معلومات معالجة : الاهداف 
2- معلومات استكمال : بناء القوة لدى العدو 
3- معلومات دورية : نشاط وفعاليات العدو 
4- معلومات وصفية : جغرافيا المنطقة 
5- معلومات اعتراضية : اي اكتشاف ما يعرفه العدو عن جبهتنا ومواقعنا وكيف يخطط لاستهدافنا. 
6- معلومات نقطوية :الاماكن , القادة , الاسلحة المهمة , الشيفرة .
====================
واجبات اس الميدان تجاه قواتنا
====================
اما مايخص واجبات استخبارات الميدان تجاه قواتنا فان الاستخبارات العسكرية , اساساً , تتيح وتساعد الدولة ببناء قدراتها العسكرية وترسانتها المسلحة على اساس التوازن مع العدو او العدو المحتمل , ومن خلال معرفة بناء القوة لدى العدو واساليب تدريبه ومناهجه ومعداته , فيتم شراء الاسلحة حسب الحاجة والتهديد المحتمل , فاستخبارات الميدان تتيح لنا توليف القوة وحاجتنا الى المعدات والسلاح في المعركة .
كما ان الاستخبارات هي من توصل القوات المهاجمة والارتال الى خط التماس وتختار الطرق الآمنة والممرات المناسبة للتقدم والانسحاب والمناورة , كما تهيء ارض المعركة بأن تبحث عن خطوط امداد العدو وحقول الغامه وتتسلل اليها وتحاول قطعها او ضرب قطعات العدو في العمق او تزرع عليها الالغام.
كما انها تقود خطط الخداع والتمويه كالدبابات والتحضيرات الوهمية والخمول الوهمي لانها تعلم اين ومتى تضع هكذا تحضيرات و تعلم اين يوضع الطعم لصيد العدو, وتسرب معلومات وهمية الى العدو 
كما تقوم استخبارات الميدان بمراقبة اخطاء النار الصادرة من قطعاتنا , ففي بعض الاحيان تضرب الطائرات او المدفعية بالخطأ وتقصف بعيدا عن العدو او تعرض قطعاتنا لنيران صديقة بالخطأ او بالقصد والخيانة ومراقبة اداء القطعات والتوقيتات والنيران و تنفيذ الاوامر والانسحاب والتلكؤ والهروب و الاتصالات ( تقوم الاستخبارات بتسجيل كل مكالمات اجهزتنا اللاسلكية في المعركة وتحليلها ) .
اما مراقبة جنودنا وضباطنا , خوفا من الخيانة او من التجسس لصالح العدو والتاكد من مراقبة عناصر الوحدة العسكرية وكذلك مراقبة جنود الاتصالات وعمل الصمت اللاسلكي ومراقبة تسريب المعلومات واتلاف العتاد والرمي العشوائي فهي من مهام الامن العسكري وهو جزء من الاستخبارات, ولكنه في الغالب يفصل عن الاستخبارات عند الحرب ولكنه يدمج في السلم .
==============
اذرع الاستطلاع
==============
في الاستخبارات العسكرية (التي تسمى في بعض الدول بالمخابرات الحربية و وتوصف في كل هيئات الركن عالمياً بالركن الثاني ) , ينقسم جمع المعلومات الى محورين اساسيين :
1- استخبارات الميدان او استخبارات المعركة او الاستكشاف الميداني والاستطلاع. 
2- الاستطلاع العميق والذي يتضمن معرفة قدرات العدو العسكرية واللوجستية والمالية وغيرها.
وبهذين المحورين يتم فهم ومعرفة قدرات العدو الميدانية والاستراتيجية بشكل كامل.
ومايهمنا في استخبارات الميدان هو الاستكشاف الميداني , وهنالك مجموعة , لاحصر لها , من الاساليب في الميدان تمكن استخبارات الميدان من خرق صفوف العدو من خلال اذرع الاستخبارات في الميدان وهم :
1- ضباط الرصد او الراصد : وهو ضابط متدرب بشكل جيد على الصبر والمخاطرة والغش والاختفاء والتأقلم مع البيئة , فيذهب الى ارض الحرام بين قطعاتنا والعدو , ويأخذ زاوية جيدة ويبقى لعده ايام لرصد حركة وفعاليات العدو وتسجيل الاهداف .
وفي اغلب الاحيان يتم التنسيق مع التنصت لكشف رموز شفرة اتصالات العدو من خلال مشاهدات ضابط الرصد , فمثلا العدو ينادي برقم 6 وتاتي عجلة اسعاف يشاهدها الراصد عقب النداء بهذا الرقم ويخبر التنصت فيسجل ان الرقم 6 في شفيرة العدو تعني اسعاف , وهكذا يتم تطبيق الرموز الى مشاهدات الراصد لكشف باقي الشيفرة .
كما يتعرف الراصد على برامج العدو اليومية كعجلة الطعام والماء والثلج و نقل العتاد وفترة تغيير الواجبات وساعات انتشار الكمائن واعدادها والدوريات وضباط الهندسة العسكرية الذين يدققون حقول الالغام واماكنها , وكذلك معرفة المتغيرات والاستحكامات والبنية الدفاعية كمقدار المشيدات والملاجىء والمواضع والشقوق والمخازن واكداس العتاد , وكذا معرفة توزيع النار والاسلحة المتوسطة والحركة , وبالطبع تعتمد الطائرات والمدفعية على احداثيات الراصد بشكل كبير.
2-دوريات الاستطلاع او الاستكشاف : وهي مجموعة مسلحة من عناصر الاستخبارات تخرج بصحبة ضابط هندسة عسكرية لغرض استكشاف جغرافيا المنطقة من حقول الغام واسلاك شائكة ومشاعل عثرة ومصائد مغفلين وعبوات وكمائن العدو ومصدات الانذار المبكر والحجابات وحركة العدو واسلحته , وتكثر الدوريات في ارض الحرام الكبيرة اي حين يكون العدو بعيد عنا , وتسمى مجموعة الاستكشاف وفي الازمنة البعيدة كان رجل الاستطلاع يسمى بالكشاف. 
3- الاستطلاع الجوي : من خلال التصوير الجوي والطائرات المسيرة حيث تلتقط الصور الجوية كافة استحكامات العدو وطرق مواصلاته.
4- التنصت : بالاستماع لاجهزة اتصالات العدو.
5- اجهزة الاستشعار الحرارية الحديثة التي تكشف حركة العدو في الميدان .
6- المشاغلة : وتتم بفتح نار محدودة لمعرفة حجم نار العدو , اي ايجاد معركة وهمية لمعرفة مصادر النيران وحجمها.
7- النواظير: حيث تتم مراقبة حركة العدو من خلال النواظير الحديثة بعيدة المدى التي يمكن بها مشاهدة العدو ليلاً ونهارا.
8- المخبرون : من سكان المنطقة والرعاة وساكنو الارياف والقرى المحيطة بالمنطقة.
9- المصادر : العسكريون في جبهة العدو .
10- إعلام العدو : من خلال ماينشره العدو حول الجبهة والمنطقة المعنية تحديدا في اعلامه المقروء والمسموع والمرئي.
11- الاسرى : التحقيق مع الاسرى الذين يقعون بيدنا من دوريات العدو وغيرها.
12 – المسح الجغرافي : اي تثبيت معالم الارض وما عليها بشكل دقيق وملاحظه المتغييرات دوما حتى البسيط منها , فمثلا هنا طريق ترابي وصخور وشجيرات وحتى عدد الاشجار وملاحظه المتغيرات دوماً .
ولاننسى هنا اهمية التنسيق بين جهد الاستطلاع العميق (اي مصادرنا في ارض العدو) مع الاستطلاع القريب (اي جهدنا في ارض المعركة )للحصول على معلومات تكميلية عن العدو.
=======
خلاصة 
=======
استخبارات الميدان هي عين القيادة العسكرية في المعركة وعين الجيوش المصاحبة , وبدونها تكون القوات والقيادة العسكرية ضريرتان , كما ان استخبارات الميدان الفاعلة لها القدرة احياناً على حسم المعركة , وهو امر ليس بمستغرب , ومثال ذلك لو كانت لدينا استخبارات ميدانية واكتشفت مكان تواجد البغدادي او مركز تجمع مئات الارهابيين الذين احتلوا الموصل , حينها كان بالامكان قصفهم وفق تلك المعلومات ولما سقطت الموصل عسكرياً , ونسجل هنا ان للارهابيين وتنظيماتهم افضلية في استخبارات الميدان بحكم امكانية تواجدهم في كل مكان في العراق بتمويه بسيط وحتى في دوائر الدولة الحساسة تحت مختلف المسميات والذرائع ابتداءاً بالمصالحة وانتهاءاً بالمحاصصة , وهو امر بالغ الخطورة لاسيما وان الواقع العراقي جعل من الممكن ان يكون نائب رئيس الجمهورية (طارق الهاشمي) او وزير الثقافة (اسعد الهاشمي ) وعشرات النواب من الارهابيين باعترافات مؤكدة وماخفي كان اعظم , والله الموفق.