مَن أفشل حكومة العبادي؟ |
بدأ العبادي عهده باتخاذ سلسلة من الإجراءات الحدية، التي أكسبته عداء الجميع ، إعتماداً على نصائح مستشاريه منادياً بالإصلاح و التغيير. قد يحتج عليّ الكثيرون أن العبادي نفسه فاسد، فتورطه في الرشاوي من عقود عراقنا مع شركة أوراسكوم معروف للجميع. لكن، كانت أمام العبادي، فرصة نادرة لمحو الماضي، أو على الأقل التخفيف من وطأته. لكن العبادي انقاد لتوصيات مستشاريه الذين زينوا له استعداء الجميع، و كسبهم كأعداء بدلا من حلفاء، بدءاً من المواطنين العاديين وصولا إلى الكتل السياسية وزعماء الأحزاب بل وحتى قيادات الصف الثاني. الإصلاح- مهما كان- لا يمكن أن يولد ويعيش يتيماً اعتمادا على إجراءات حديّة، تمثلت بطرد وإبعاد كل منافس أو غير منافس!
مستشارو العبادي نصحوه بإلغاء مجموعة من الوزارات التي تحظى بشعبية بين العراقيين فضلا عن تمتعها بتأثير الدولي و قدرتها على جلب الاستثمارات. وزارات من قبيل وزارة البيئة، العلوم و التكنولوجيا، وزارة السياحة، وزارة المرأة ، وزارة حقوق الانسان و غيرها!!! لقد بلغ الاستياء الشعبي ذروته دفعت الموظفين في الوزارات و الناشطين الى الشوارع في مظاهرات مطالبة بإعادة الوزارات إلى عملها!! لكن مستشارو العبادي- بل وحتى العبادي نفسه- أخذتهم العزة بالإثم و لم يتراجعوا!! لشتعل المواقع الالكترونية ووسائل الاعلام بمناقشة الأسباب الحقيقة لإلغاء هذه الوزارات ومن بينها الربط بين الغاء الوزارات و فساد عقود أوراسكوم!! إن اتخاذ مثل هذا الإجراء الحديّ ينجم عنه بالتاكيد رد فعل حدي. حيث فقدت معه حكومة العبادي إيمان الناس بالإصلاح و احجام الكتل السياسية عن تأييد الإصلاح لخسارتها لمواقع قيادية دون مبرر!! من ناحية أخرى، الموظفون مرتبكون و متضايقون لا يعرفون من رئيسهم المباشر، وكيف يمارسون عملهم. والمواطن مستاء لأن المعاملة التي كانت تتم بشكل مباشر من قبل وزارة معنية، أصبحت تستغرق وقت أطول إضافة حلقة جديدة في سلسلة الموافقات المطلوبة ! و رغم ذلك بقي مستشارو العبادي يطبلون و يزمرون للإصلاح وسط سخط الناس واعتراض الناشطين و غضب الكتل السياسية.
كما فقدت حكومة العبادي التعاطف الدولي حيث طالبت الأمم المتحدة العبادي بإعادة النظر في قراراته. فوجود وزارة البيئة في دولة خاضت و تخوض حروب متعددة يبدو منطقياً. بل أن الشركات الدولية تشترط تقديم دراسة الأثر البيئي قبل بدء إي مشروع ومستعدة لدفع رسوم مالية تساهم في اغناء الميزانية. لكن العبادي برر اجراءه بضرورة توفير راتب الوزير. لكن، أذا كان الهدف هو توفير راتب - قلّ أم كثرّ- فكل هذه الضجة لم ينجم عنها توفير فلساً واحداً، الوزراء عادوا كنواب إلى البرلمان يحملون الضغينة ضد من وقف في وجههم دون مبرر!! كما تم حرمان البلد من مورد مالي هام. إن الشركات الكبرى و خاصة النفطية منها مستعدة لدفع الملايين لإكمال دراسة الأثر البيئي. فإي شركة دولة تخشى أن توصم بانها لا تحترم المواصفات البيئية. وزارة العلوم كان يمكن أن تجني الرسوم من خلال مشروع الحكومة الالكترونية الذي طال الحديث عنه. وزارة السياحة و مشروع السياحة الدينية وغيرها من الأمثلة. قرار العبادي كان متعجلاً و دون دراسة متأنية و اعتمد حصريا على رأي شخصيات لا خبرة لها بالعمل الإداري و الدولي.
مستشارو العبادي نصحوه بإقصاء 132 وكيل وزير و مدير عام بحجة الإصلاح! كل هؤلاء لديهم اتصالاتهم ومرجعياتهم السياسية والإدارية بل وحتى الدينية و بالتأكيد لجئوا إليها للتعبيرعن سخطهم لطردهم دون وجه حق ودون سند قانوني من مناصبهم بين ليلة وضحاها! بل أنهم لا يستلمون رواتب تقاعدية، فكيف سيعيشون هم وعوائلهم؟ إجراء حديّ يفتقر لأبسط مقومات الحكمة الإدارية! بل أن العبادي لا يدري مدى تأثيرهم على من كانوا يعملون معهم!! تبع ذلك قيام العبادي بطرد 484 ضابط من ضباط الداخلية بحجة أن سياراتهم تكلف الدولة بنزين!! مرة أخرى استعدى العبادي عليه القيادات الأمنية دون وجه حق. إي دولة في العالم صغيرة ،كبيرة، غنية فقيرة، تدفع أجور الوقود لسيارات الشرطة والاسعاف و الجيش و غيرها. لقد بدى العبادي متحاملاً على القيادات الأمنية بطريقة غير منطقية. و بالتأكيد لجأت القيادات إلى اتصالاتها لتدارك نتيجة هذا القرار الحديّ!! لتشتعل المواقع بمناقشة كلفة الوقود لرجال حزب الدعوة و قياداته بما فيها العبادي نفسه!! بل هذا القرار الحديّ جعل القيادات الأمنية المتبقية مترددة تخشى أن تتخذ إي إجراء لمتابعة عملها ينجم عنه استهلاك الوقود، وبالتالي تم شل حركة الأمن، لينهار الأمن في بغداد، و تضربها سلسلة من التفجيرات النوعية لم يسبق لها مثيل. تبعها استقالة وزير الداخلية، الذي أوضح أنه طالب العبادي ولأكثر من مرة، بتوفير الدعم دون جدوى. لقد كسب وزير الداخلية الكثير من التعاطف والشعبية، لتحمله المسؤولية. و لما حاول العبادي زيارة الكرادة، تم طرده شّر طردة، ليس فقط لانهيار الأمن و لكن الناس مستاءة من كل شيئ.
لم يكتفي العبادي و مستشاروه بذلك، بل حرموا الموظفين من رواتبهم في سلسلة من الاستقطاعات لم يسبق لها مثيل من قبل إي حكومة عراقية !!! فلم تقم أي حكومة عراقية ملكية أو جمهورية باستقطاع رواتب الموظفين أو حرمان المتقاعدين من رواتبهم!! في البداية قدم العبادي حجته بالحرب على داعش، متناسيا أن نصف العراقيين يعيشون في سوريا التي تقاتل داعش منذ 2011 و لم تستقطع من رواتب موظفيها على الاطلاق! و بكل تأكيد، يقارن العراقيون نفسهم بأقارنهم السوريين و كيف يستلمون رواتبهم حتى في المناطق المحاصرة!! و لم يكتفي مستشارو العبادي بذلك بل قطعوا رواتب المتقاعدين بحجة جديدة، و هي هبوط اسعار النفط و لكن دول الخليج ،التي يعيش فيها مئات العراقيين، لم تقطع أو تستولي على رواتب المتقاعدين رغم اعتمادها الرئيسي على النفط!! و بالتالي فقدت حكومة العبادي تأييد أكبر شريحتين شعبيتن لتتعالى أصوات السخط و الاعتراض والاحتجاج في كل مكان.
تبدو حكومة العبادي و كأنها تبحث عن إي حجة لحرمان الموظفين و المتقاعدين، لحرمان إي عراقي من حقه القانوني و الدستوري.
ثم استعدى العبادي رئاسة الجمهورية من خلال إقالة النواب بحجة أن رواتبهم تكلف الدولة دون جدوى!! مرة أخرى يُظهر العبادي الدولة العراقية على أنها فقيرة وعاجزة، مما دفع كل الناشطين و المحاسبين إلى التدقيق في ميزانية الدولة العراقية، ليكتشفوا أنها ميزانية 2015 بلغت 105 مليار دولار ولتعتبر ثاني أكبر ميزانية في الشرق الأوسط بعد ميزانية السعودية! فإين ذهبت الأموال؟ مما دفع أحد النواب إلى مطالبة العبادي بإجراء تدقيق عدلي لمعرفة أين ذهبت أموال العراق؟ فإذا كان النواب لم يستلموا رواتبهم لعام كامل فأين ذهبت؟ ليرفض العبادي الطلب معللاً الرفض بأنه يخاف من المتنفذين داخل كتلته!! رئيس الوزراء يخاف!! الناس لا تثق بمسؤول خائف!! بل أن النواب الثلاثة كسبوا تعاطف و دعم شعبي هائل عندما تبرعوا برواتبهم!! في حين أن شعبية العبادي تراجعت بشكل لا يوصف فهو فاسد و خائف و بخيل!! فالناس تتندر بالقول " عبودي حرامي التقاعد" " أبو الرشاوي" أبو التلفونات المكسرة" " العصيّ" الفگري".
و كلما حاول العبادي كبت الموضوع و تبريره كلما تصدى له الناشطون و الموظفون و المتقاعدون و غيرهم!! فالسؤال الذي لم يجب عليه العبادي لحد هذه اللحظة على ماذا صرفت رواتب النواب عندما لم يستلموها لمدة سنة؟؟ وأين ذهبت ميزانية ثاني دولة نفطية في العالم؟ لتكون الصدمة الصاعقة أنها صرفت على الشاي و القهوة لحكومة العبادي، التي صرفت في اسبوع عشرة ملايين دولار على الشاي و القهوة!!! ليستمر البحث المحموم عن كل خطأ أو زلة يرتكبها العبادي!! الإجراءات الحديّة لها ردّ فعل حديّ!! بل وصل الأمر إلى حد الاستهزاء بساعة العبادي اليدوية باعتبارها مظهر ترف من قبل شخص يطالب الجميع بالتقشف!!
مستشارو العبادي زينوا له أنه المسؤول التنفيذي الأول و يمكنه أن يفعل ما يشاء، و لكن في الحقيقة، خسر العبادي حلفاءه و شركاءه بل و حتى تعاطف الشعب معه. و بدأت حلقة الضغط تضيق يوما بعد أخر. فحتى اثارة مشاعر الناس الدينية لم تعد مجدية، لأن غيره من الحلفاء ذوي التوجهات الدينية المماثلة جاهزون لتولي المنصب و بدون مناصبة العداء لكل من هبّ و دبّ. الغريب في الأمر، هو انقياد العبادي الأعمى لمستشاريه دون أدنى مراجعة أو تفكير بطلب وجهة نظر مختلفة!!
لقد قام مستشارو العبادي بتحويله - و بأبداع لا نظير له- من رئيس الوزراء الذي حظي بقبول واسع في بداية توليه لمنصبه إلى عبودي حرامي التقاعد أبو عقود الدم و السرطان أبو الرشاوي و التلفونات المكسرة. إن غضب الناشطين و الاستياء الشعبي وغضب الكتل السياسية دفع الكل و بشكل محموم إلى البحث و التفتيش في ملفات العبادي القديمة و الجديدة و نشرها وتداولها على الملأ.
ما الذي كان سيخسره العبادي لو ترك الوزارات تعمل وأبقاها ضمن هيكلية الدولة؟ ما الذي كان العبادي سيخسره لو قام بتأمين رواتب الموظفين و المتقاعدين؟ بل لو دفع زيادات بسيطة حتى لو كانت 1-2% بدلا من ملاحقة كل عراقي براتبه و تقاعده!! العبادي لاحق كل عراقي برزقه بدءا من الموظف البسيط وصولا لأكبر مسؤول في الدولة. كل هؤلاء عملوا بجد و نشاط لملاحقة العبادي - مثلما لاحقهم- وفضح كل خطأ و زلة و مخالفة و تجاوز على المال ارتكبه العبادي و حكومته!!! مستشارو العبادي هم من ساهم في سقوط العبادي المدوي.
أن الدرس الذي يجب على كل سياسي عراقي تعلمه هو أن ملاحقة الناس – مهما كانوا بسطاء – في أرزاقهم ينجم عنها ملاحقة الناس للسياسي و تحويله من مصلح ورئيس إلى حرامي التقاعد و أبو الرشاوي.
|