شدني الاحساس بحب التراث الكتابة عن شارع الرشيد .. الشارع الذي كان ملتقى الشعراء والادباء العراقيين .. الشارع الذي كان بالامس معلما من المعالم الشاخصة التي تؤشر عمق واصالة التراث العراقي .. واليوم بات هذا الشارع مكبا للازبال ومرتعا للصوص والشحاذين وبيع الملابس المستعملة " اللنكة " ولم تفلح محاولات امانة بغداد في اعادة تأهيل هذا الشارع الممتد من منطة الباب المعظم الى باب الشرقي والذي سمي يوم افتتاحه في عهد حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني خليل باشا باسم "جادة ستي " وقد صمم هذا الشارع في تلك الحقبة من الزمان على وفق احدث التصاميم الهندسية والمعمارية وما ان انتهى التبليط حتى اصبح شارع الرشيد المتنزه الامثل لاهالي بغداد وخصوصا سكان الكرخ والسعيد منهم من يحصل وقت العصر على محل خالي في تخت احد المقاهي المشرفة على الشارع ليتفرج على الرائحين والمغادرين من الناس الذين لاهم لهم سوى التفرج بعضهم على بعض .. وبعد اكثر من مائة عام وفي حفل اقيم قرب تمثال الشاعر العراقي معروف الرصافي شيع سكان بغداد شارع الرشيد بعد وفاته اثر مرض عضال لم يمهله طويلا وقد القى الرصافي وهو شامخا في موقعه بعد ان نهض من سباته قصيدة رثى فيه الشارع الذي كان بالامس معلما وبات اليوم مكبا للازبال ولم تفلح محاولات امانة بغداد لاعطاء البهجة لما اسمته حفل افتتاح شارع الرشيد رغم استخدامها كل وسائل التزويق الاعلامي لان المواطن لم يجد هناك شارع بل وجد انقاض شارع فما زالت ابنيته التراثية وشناشيله الجميلة التي كانت تؤشر روعة الفن المعماري العراقي آيلة للسقوط وما زالت محلاته تؤشر حالة البؤس اما ازقته فحدث بلا حرج فالويل والثبور لكل شخص يتجرأ اختراقها فقد باتت ملجأ للسراق والمحتالين هذا مايحث في النهار اما مع بدء عتمة الليل فالمنطقة باتت موبوءة فالويل كل الويل لمن يتجرأ اجتاز بضع امتار من ذلك الشارع الخالد فلا بد ان تنتابه رعشة وقشعريرة من امور غير محمودة العواقب فلا بد وانت تسير ان تلتفت ذات اليمين وذات اليسار متسارع الخطى لتلعن الساعة التي اجبرتك على اجتياز الشارع ولو كان من ضمن مسؤولياتي اطلاق التسميات على شوارع بغداد لاطلقت عليه اسم شارع الرعب او شارع الخوف من المجهول وقد حملتني الصدفة يوما وفي الساعة السابعة مساءا من شتاءات بغداد ان أمر مرور الكرام في ذلك الشارع فانتابني رعب وخوف خاصة وان الشارع كان مظلما والمحلات مقفلة حتى تخيلت اني اسير ليلا في مقبرة تحوم حولها الغربان فاسرعت الخطى هاربا من هذا الكابوس .. وانا اتذكر ذلك اليوم تمعنت في الاحتفال الذي اقامته امانة بغداد فتيقنت ان ماتقوم به الامانة ليس هو استعراض لمنجز صرفت عليه الاموال بقدر ما هو عملية استعراض وتزويق لشيء لم يحدث فلا يوجد اي اعمار سوى ترميم بضع امتار من الشارع واجبار اصحاب المحلات لصبغ واجهات محلاتهم باصباغ رديئة النوعية وما روجت له الامانة هو عمل يندرج ضمن انشطة التزويق او التسويف الاعلامي او ما يسمى التضليل الاعلامي لابراز منجز لم يتحقق .. هذا النشاط ذكرني يوم كانت الصحف في زمن النظام السابق تنشر وبالمانش العريض وباللون الاحمر منجزات غير موجودة اصلا يقوم بتصنيعها ما كانت تطلق عليهم مجاهدي التصنيع العسكري حتى اشبعونا كذبا بان العراق بات من الدول المتقدمة في مجال الصناعة مثلما حدثني احد الزملاء الصحفيين بانه كان مسؤولا عن تغطية انشطة قطاع التصنيع العسكري وفي احد الايام لم يجد مادة لعمل خبر في صحيفته فطلب من احد المسؤولين في هيئة التصنيع العسكري السماح له باعداد خبر ملفق عن تمكن المجاهدين من تصنيع جهاز للري سيسهم في اصلاح الاف الدونمات من الاراضي البور.. فوافق المسؤول واتضح ان الجهاز الذي اشار اليه الصحفي هو عبارة عن انبوب صغير ملتوي الجهات خاص بسقي الحدائق يستطيع اي عامل مبتدء صناعته.. وقد احتل الخبر مكانا متميزا في الصحف زنشر بالخط الاحمر وبعنوان ( مجاهدو التصنيع العسكري يتمكنون من تصنيع جهاز متطور لسقي الاف الدونمات من الاراضي ) مثلما يحصل اليوم من تسويف وتنحيف وتجريف لشارع مازال يئن بجراحه .. وكان الله في عونك ياعراق
|