هل في مقدور رئيس الجمهورية إيقاف العمل بقانون الحشد الشعبي؟

ارتكب مقدمو مشروع قانون الحشد الشعبي خطأً فادحاً وحماقة كبيرة، وقد اعتدنا أن يمارس الطائفيون والعنصريون في مجلس النواب العراقي ارتكاب مثل هذه الأخطاء الفادحة والحماقات التي تقود بالمحصلة النهائية إلى وقوع عواقب وخيمة على الشعب العراقي ومكوناته القومية وأتباع دياناته ومذاهبه الدينية والفكرية. فالحشد الشعبي يجسد إرادة مجموعة من الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية ذات النهج الطائفي والانتقامي المعيب، وهي التي تريد استخدام الحشد الشعبي، كما استخدم البعثيون في العام 1963 الحرس القومي في مواجهة أنصار عبد الكريم قاسم والشيوعيين والديمقراطيين، وارتكبوا حمامات دم شنيعة ما تزال ذكراها تقشعر لها الأبدان ويخيم الحزب والكآبة على نفوس الناس.
الحشد الشعبي لم يكن إرادة المرجعية الشيعية في النجف ولا إرادة السيد علي السيستاني، إذ أن المتحدثين باسمه لم يطلقوا ولم يستعملوا مصطلح الحشد الشعبي بل كانوا يتحدثون عن المتطوعين، إذ أنه أدرك بأن وراء الحشد الشعبي المليشيات الطائفية الشيعية المسلحة التي تأسست بأوامر من السيد علي خامنئي والتابعين له بالعراق، مثل نوري المالكي وهادي العامر وقيس الخزعلي وأبو مهدي المهندس وأبو الفضل البطاط وغيرهم. وفي آخر تصريح لنوري المالكي قال بأنه منذ 2012 كان يفكر بتأسيس الحشد الشعبي ليواجه المؤامرة على حكومته! المؤامرة التي حاكها بنفسه ليلقي بالعراق في أحضان داعش!!
لقد أقر مجلس النواب قانون الحشد الشعبي واعتبره رديفاً للقوات المسلحة العراقية بكل أصنافها، وبالتالي أوجد مجلس النواب قوة عسكرية منافسة للقوات المسلحة ومهيمنة عليها، بسبب دعم الأحزاب الشيعية الحاكمة لها، إضافة إلى إيران التي ستمدها بأسباب القوة لتفرض إرادة الأحزاب الشيعية الطائفية على البلاد وعلى بقية مكونات الشعب العراقي.
لقد دق قانون الحشد الشعبي أسفين الفرقة بين المسلمين العرب شيعة وسنة. وإذا كان هذا حتى الآن على مستوى الأحزاب الإسلامية السياسية، فأصبح اليوم وبشكل رسمي على مستوى المجتمع والدولة العراقية، وهو الأمر الأكثر خطورة. وعلى المرجعية أن تتحدث الآن وتعلن عن موقفها من هذا القانون.
وارتاح لهذا القانون وأيده، سواء أكان في مجلس النواب أم خارجه، كل من يريد الفرقة بين الشيعة والسنة، وكل من يريد هيمنة إيران على القرار السياسي العراقي وعلى القوات المسلحة العراقية وعلى الدولة العراقية كلها. وهو الخطر الأكبر الذي يواجه العراق.
لقد أخطأ من أقر وأيد هذا القانون من أبناء المجتمع العراقي بكل قومياته لأنه سيكون الحاضر في الصراع العربي الكردي والقبضة الضاربة ومن منطلقات قومية شوفينية وطائفية في آن، وسيكون اليد الضاربة في الصراع السني الشيعي، تماماً كما حصل في الفلوجة والأنبار وصلاح الدين، في فترة حكم المستبد بأمره نوري المالكي، وسيكون الأداة التي ترفض الإصلاح الحقيقي والتغيير بالعراق، وستكون المساندة الفعلية للمحاصصة الطائفية اللعينة التي مزقت هوية المواطنة لصالح الهوية الفرعية الشيعية، وسيطالب قادة الحشد الشعبي بالسلطة كلها لا بجزء منها!، وهو ما سنعيشه قريباً!
إن الحشد الشعبي سيكون، كما عبر عنه نوري المالكي، من "أنصار الحسين"، لينتقم من "أنصار يزيد بن معاوية"، إذ إن المعركة، لدى الطائفي المهووس، ما تزال مستمرة. هكذا كان وما يزال نوري المالكي يريد للحشد الشعبي أن يكون وبأمل أن يستمر هذا الصراع على صعيد العراق كله.
لقد أخطأ التحالف الكردستاني في التصويت إلى جانب قانون الحشد الشعبي، وأمل أن لا يحصدوا عواقب التصويت إلى جانب الأحزاب الشيعية الطائفية، التي لا تريد الخير للشعب الكردي ولا للوحدة الوطنية العراقية، بل تريد الهيمنة والمشاركة الأساسية في نهب أموال الشعب، كما جرى حتى الآن. وهو ما تسعى إليه الأحزاب السياسية الإسلامية السنية أيضاً!
اعتقد إن غياب الوحدة في موقف الكرد إزاء جل المسائل الراهنة وصراعاتهم الداخلية المحتدمة، ستجلب الكثير من الأذى على الكرد والعرب وبقية القوميات في آن واحد. لقد كان المُعوّل على القوى الكردية أن تلعب دوراً أكثر وعياً وعمقاً وفهماً لمجرى الصراعات الجارية والعواقب المحتملة على المسألة الكردية وعلى المشكلات العالقة، ولكن هذا لم يحصل، ونتمنى أن لا يحصل ما نتوقعه في المستقبل غير البعيد، لمعرفتنا ومعرفة الكثير من المحليين لما يجري في المطبخ الإيراني والمطبخ السعودي القطري التركي. 
إن من حق رئيس الجمهورية العراقية أن يعيد القانون إلى مجلس النواب، خاصة وأن رئيس الوزراء ادعى بأن مجلس الوزراء لديه ملاحظات على القانون ولم تستكمل دراسته. ولكن السؤال الكبير الذي أضعه أمام السيد رئيس الجمهورية هو: هل في مقدوركم، يا سيادة الرئيس، القيام بمثل هذه الخطوة التي تجسد عند ممارستها، استقلاليتكم عن كل الأحزاب العراقية وعن إيران في آن واحد؟ من المفروض أن يكون رئيس الجمهورية مستقلاً عن كل الأحزاب والدول، إذ يفترض فيه أن ينظر إلى مصالح العراق والشعب العراقي كله لا لطرف واحد منه يمثل جزءاً صغيراً من الشيعة بالعراق، يمثل جمهرة منضوية في هذه الأحزاب لا غير. ونحن بانتظار الموقف الذي يفترض أن يتخذه رئيس الجمهورية، رغم إن رسالة وصلتني من بغداد تقول: لا تنتظر من رئيس الجمهورية موقفاً يغاير ما اتفقت عليه الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية وإيران!!!