نظام العشيرة نظام قديم غير مكتوب لتنظيم سبل التعامل بين مجموعة أفراد ينتمون الى أصل قريب نسبياً مع غيرهم وفيما بينهم على وفق أعراف وتقاليد تسود في المجتمع القائم. نظام كان يومه وعندما لم تكن هناك قوانين وضعيه (مجموعة اللوائح والقوانين التي توضع بقصد تنظيم الحياة العامة للناس وتيسير سبل التعامل فيما بينهم) مقبولاً لتنظيم العلاقات والتعامل وتأطير سلوك الانسان بالاطار المقبول اجتماعياً. لكنه اليوم وبعد هذه القفزة في القوانين والتشريعات الوضعية، وبعد ثبات صحتها بالمقارنة مع أنواع القوانين الأخرى تصبح العودة الى العشيرة ووضع قانون لها من قبل البرلمان العراقي واتمام قراءته الأولى ردة في التعامل مع الانسان الذي يخطوا في عيشه الى الأمام خطوات أسرع من المتوقع. وبالعودة الى القانون يبدو أن من اقترحه، ومن سار الى تسويقه في البرلمان ووضعه على طاولة التشريع قريباً، قد فاته أن العراق تقدم خطوات الى الأمام عندما شرع قوانينه المدنية وأعفى العشيرة من نشاطها في تنظيم العلاقات والسلوك بعد عام 1958، وفاته أيضاً أن العشيرة وطوال الفترة بعد ذلك العام والى بداية ثمانينات القرن السابق التي شهدت دفعاً من قبل صدام حسين لإعادة سطوة وسلطة العشيرة لأغراض جعلها جهازاً اضافيا يستعين به في مسألة بسط سلطته على المجتمع... سلطة مضافة الى سلطة الحزب والجيش الشعبي والأمن وغيرها، فاته أن تلك الفترة الزمنية التي تعطلت فيها سلطة العشيرة قد خسرت فيها سلطتها التي تغيرت كثيراً وغيرت من طباعها وقيمها. هذا بالإضافة الى أن تدخل النظام السابق في أقبيتها لأغراضه الأمنية الخاصة لم يعيد لها تلك القيم النافعة للمجتمع بل وأكسبها قيم جديدة تعد محرفة عنها، فالشيخ في النظام العشائري القديم على سبيل المثال لا يقبل أن يكون وكيل أمن رسمي، يقدم شباب عشيرته الى الحاكم اذا ما وقفوا ضده أو تخلفوا عن خدمته، والشيخ الفعلي يوم ذاك لا ينصبه حاكم لقاء مرتب شهري يأتي صاغرا ليستلمه مقسما الى درجات (أ – ب – ج). والشيخ الذي ورث الشيخة عن أب شيخ في السابق لا يمشي مدفوعا للمطالبة بحق سارق أو زانٍ من أبناء عشيرته قتل في بيت عشيرة أخرى، ولا يضع عقالا فوق رأسه ويجري الى عشيرة أخرى يطالب بانصاف نصاب من عشيرته أو قواد تابع لأحد بيوت عشيرته. وشيخ العشيرة لما قبل 1958 لا يتقلب بين دوائر الأحزاب عارضاً أبناء عشيرته لقاء فتات أحزاب لا يعرف أهدافها. ان العشيرة عندما عادت الى الواجهة الغائية فسدت كما غيرها من المؤسسات ولا يصلح أن يسن لها قانون لتكون سلطة ضابطة. وهي الآن لا تمتلك سلطة فعلية سوى سلطة الفصل لأغراض مادية وهي سلطة مشكوك بنزاهتها. ثم اننا واذا ما تركنا كل مثالب العشيرة ومساوئها وسألنا كيف للدولة التي تئن من وضع اقتصادي صعب وعوز مادي شديد أن تعود لتنظم مؤسسات لا تفيد سوى لشراء الذمم يوم الانتخابات؟. من أين لها تخصيص الأموال لميزانية شيوخ لا شاغل لهم سوى التنقل بين موائد المسؤولين والأحزاب؟. ولم هذا الصرف الزائد عن الحاجة؟. ألم تكن المدارس أحوج وكذلك المستشفيات والبحوث والدراسات والخدمات ومقاتلة الارهاب واعادة البناء، أم أنها باتت بدرجة تأتي متأخرة عن عشيرة لا تنفع حتى لحل مشاكل أبنائها. انها خطوة جر الى الوراء تزيد صخرة الدولة التي تتدحرج من أعلى القمة الى السفح تسارعاً وقوة ارتطام سيؤدي ارتطامها بهذه السرعة الى تفتيت ما تبقى من أركان الدولة.
|