سؤال _ أبن تجد نفسك قارئ أم كاتب؟ أنا _ أفضل المواقع التي أحس فيها بالتكامل مع الأخر أن أكون قارئ ناقد، بمعنى أن القراءة النقدية الأحترافية تمثل سلسلة من العمليات الفكرية اتي لا تنتهي عادة إلا بالكتابة، لا قيمة فعلية للقراءة النقدية بدون التصريح عن نتائجها وإلا ستبقى مجرد صوت داخل الفراغ المطلق قد يحس به من أطلقه ولكن بالنسبة للأخرين لا شيء مهم، لذا فالكتابة هي أخر مشوار القراءة. سؤال _ هل يعني ذلك أن القراءة الجمالية أو حتى القراءة المعرفية والعلمية أو لنقل ضرورة القراءة تعتبر هامشية بما تمثله لك القراءة النقدية؟ أنا _ السؤال هنا خصوصي حينما تسأل شخص في وضع معين وفي سن ثقافي معين بالطبع سيجيب على هذا الموضوع وفقا للمحدد، القراءة الجمالية هي من أنواع القراءة الأنطباعية التي لا يمكن ممارسة دون أن معطيات سابقة تتعلق بقيم الجمال ومعياريته، أما القراءة المعرفية أو العلمية فهي قراءة يراد منها البنيان الفكري وهذه بالذات ما يكون فيها للنقد المعرفي أو العلمي دور مهم مع نضج ألياته الخاصة، فمثلا ليس مطلوبا للمشروع الثقافي وأقصد به الفرد الذي يباشر في بناء كيانه الثقافي وفي مراحله الأولى أن يكون قارئا نقديا محترفا لأنه للآن لا يملك الوسائل والأليات ولكن علينا أن نزرع في طريقة قراءته أن ليس كل ما يصلك من معرفة أو فكر هو النهايات الحقيقة، عالم الفكر والمعرفة وحتى العلم المحض عالم متحرك للأمام وكل حركة مصحوبة بكشاف يفتح لك الطرق والأبواب. سؤال _ الفرق بين الثقافة النقدية وبين ثقافة الرفض؟ أنا _ الثقافة النقدية ثقافة مسئولة وإبداعية وتمارس مهمة إعادة بناء الفكرة أو تجديدها أو أثراها، فهي بالنتيجة نمط إيجابي مهم في التعاطي مع العقل ومع الواقع، ومجتمع لا يملك ثقافة نقدية من الصعب أن يكون مجتمع منتج إبداعيا، أما ثقافة الرفض فهي ليست بثقافة بقدر ما هي مرض فكري سلبي يمارسه نمط من المحسوبين على الثقافة والفكر يمارسون عملية هدم للبناء الجديد لأنهم لا يؤمنون أولا بالحرية ولا يتوقعون أن الزمن سيرميهم في خانة الإهمال، الرفض لأجل الرفض أو الرفض الفكري الأيديولوجي يعبر عن قصور العقل في قبول وتقبل أن الأخر مساوي ومتساوي مع الأنا في الحقوق والواجبات، لذا فكل ما يصدر من الأخر بأي مستوى فكري وإبداعي فهو معرض للرفض قبل أن يدرك أو يفهم لمجرد أنه من الأخر. سؤال _ هل لنا أن نقدم نموذجا تأريخيا أو معاصرا لثقافة الرفض أو بالصيح لمرض الرفض الفكري؟ أنا _ بالرغم من عدم رغبتي في الخوض في الصراعات العقائدية ولكن أحيانا مضطر لأن نوضح كأمثلة، في بعض كتابات السلف من أهل السنة والجماعة هناك مقولة تقول أن صيغة الصلاة على محمد كتفرد نوعي أن نقول اللهم صل على محمد فقط، وحينما يسأل أتباع هذا الفكر ولكننا مأمورين بالصلاة على محمد وال محمد كما هو معروف يأت الجواب حتى لا نتبع الشيعة والرافضة في الصلاة، هذا المثال البسيط وبالتأكيد هناك أمثلة مقابلة في الجهة الأخرى تؤكد أن أي فكرة تولد أو تخرج من أحد طرفي الصراع، سترفض وتحارب ليس لأنها مخالفة مثلا للخط الإسلامي العام أو للمنطق وللعقل، ولكن ترفض فقط لأنها صادرة من الجهة الأخرى حتى دون فحص، هذا تأريخيا أما في الحال المعاصر مثلا الأدب العربي والفكر العربي عموما لا ينفتح ولا يتعامل مع الفكر والأدب الإسرائيلي لمجرد أن الكاتب أو الأديب إسرائيلي دون حتى فحص والتعرف على هذا الفكر والأدب، ولكننا نقرا ونتبع ونشجع بل وأحد أهم أركان رؤيتنا وأفكارنا وثقافاتنا الحالية هي من نفس المصدر الذي نرفضه، فلاسفة وأدباء ومفكرين وأعلامين وفنانين يهود هم الحقيقة من يقود عالم الفكر والثقافة، نتقبل الأخر ونرفض الأول وكلاهما مثلا ينبعان من معين واحد. سؤال _ السياسة تطرح قوتها على الفكر وتحدد معالم الطريق في واقعنا العربي، ولكن في مجتمعات أخرى الثقافة والفكر هما من يحددا للسياسة طريقها العام، ألا ترى أننا نعيش الواقع بصورة مغايرة؟ أنا _ الحقيقة هناك نقطتان الأولى لكون مجتمعنا ومنذ تأسيس السلطة فيه تأريخيا وواقعيا تمارس السياسة سلطتها الأبوية على المجتمع لأنه وفي جميع النظريات التي حكمت الواقع العربي الدينية ومنها وما جاء بعد فترات دول الخلافة، ترى في المجتمع مجموعة من القاصرين الذين يحتاجون دوما للرعاية والتوجيه والتحكم من السلطة، فنشأت ثقافتنا وتكونت ذيلية للسلطة هذا بوجه عام، عندما تتحكم العقيدة والدين وقوة الروابط الأجتماعية الضيقة على مجمل حركة العقل العربي لا يمكنه أن يخرج هذا العقل بنموذج متمرد قادر على إعادة صياغة المعادلة، من هنا أقول أن غياب الحرية الفكرية والثقافية سببت تراجعا في الإبداع وتأخير في فرض الفكر والثقافة المبدعة لوجودهما الواقعي على الأرض، أما بالنسبة للمجتمعات الغربية نعم لا شك أن للفكر والثقافة دور مقاوم إن لم يكن موجه للسياسة في بلدان عرفت ومارست الحرية بطريقة تطورية منضبطة. سؤال _ هل الديمقراطية التي تنمو ببطء في مجتمعاتنا العربية قادرة على أنتشال الواقع العربي عموما من ثقافة السلطة الأبوية نحو التحرر من سطوة الرؤية التقصيرية نحو أفق متجدد له؟ أنا _ حتى تكون الديمقراطية الحقيقية طريقا للتغير والتحولات العميقة لا بد لها أن تكون طبيعية في نموها داخل البيئة العربية وليس نتيجة فرض خارجي أو نتيجة ردات فعل لقوى لا تؤمن أساسا بالديمقراطية، وتحديد الأفكار والقوى والأحزاب التي تمثل خلفيات مرجعية تأريخية أو عقائدية وهي الطاغية الأن في الساحة، الديمقراطية الحقيقية هي ديمقراطية السيرورة الواقعية ونتيجة تحولات عميقة في الوعي الجمعي، عند ذاك يمكننا التنبؤ ببوادر التغير والتحول الأصيل. سؤال _ هل الإسلام السياسي الأيديولوجي العقائدي المعاصر ممكن أن يكون جزء من العمل الديمقراطي السياسي والفكري؟ أنا _ الديمقراطية الحقيقية لا ترفض أي فكر أو تنظير سياسي طالما أنه خاضع لإرادة الشعب، المشكلة ليست في الديمقراطية والأختيار الحر، ولكن الإشكالية تثور عندما يتضمن منهاج هذه الأحزاب والحركات والأفكار مقولة أسية تتعلق بغائية وجودها والمتمثلة بشعار (الإسلام هو الحل)، طبعا نحن لسنا ضد أن يكون الإسلام حلا مناسبا ولكن لنكون واضحين أن عدم الأتفاق للآن على صورة واحدة نموذجية تمثل وتقدم الإسلام كحل، لا يمكن أن نضحي بالديمقراطية والحرية السياسية كعربون لصورة مشوشة وضبابية ومتناقضة ولا يمكن قرائتها بأتفاق جماعي كما نقرأ الديمقراطية والمدنية اليوم.
|