مدخل : سألني احدهم عن الاوضاع في الوطن ؟ طبعا هو يقصد العراق , قلت له , ما يجري امر طبيعي !, لم يستغرب الملل الذي انتابني من سؤاله واجابتي , ولكنه استغرب اختزالها بهذا الشكل , فطلب توضيحاً ولو مؤجلاً فكان هذا المقال . قد يرى البعض ان ما يجري في العراق منذ سنة 2003 الى ما شاء اهله , ان ما يجري هو مخطط غربي ينفذه عملاء باعوا وطنهم واخلاقهم للمستعمر , اخرين لا يريدون ان يستقر الوضع في العراق , غيرهم يريد تحطيم المجتمع وضرب مكوناته بعضها بالبعض الاخر , هكذا طروحات تجعل جميع مكونات المجتمع العراقي بعيدة عن الشبهات وعن الاتهامات, إذ ليس هناك من يحدد العملاء , ومن هم البعض الذي يريد تدمير الوطن , ولا يستطيع تحديد من هم الاخرين الذين تعاونوا مع الشيطان كي ينفذوا المخطط الاستعماري الشرير . بما اننا اناس طيبون وشرفاء , وتربينا في كنف عائلات محترمة , وان امهاتنا حنونات طاهرات , ايضاً لان ديننا هو دين الحق الوحيد , واننا ملتزمون بتعاليم الخالق فلا يجب ان يحدث هذا لنا , اما وان وقعت الكوارث على رؤوسنا فأنها بلا شك اختبارات الخالق لعباده الصالحين , ونحن اكثر صلاحاً من غيرنا بالتأكيد . هذه الاسباب والحلول تجعل اغلبية مكونات المجتمع العراقي توافق على ما يجري , بشكل او بأخر وتساهم به , اما بالقتل او بالسرقة او الرشوة , او اي وسيلة اخرى يراها ذلك المكون مناسبة له , والمساهمة هنا ليست من اجل تحطيم الوطن , ولا من اجل تدمير بنيته التحتية , ولكن من اجل اعادة بناء الوطن وفق تصورات ومعطيات خاصة يعرفها قادة تلك المكونات في هذا الصراع . بمعنى : لم تفكر المكونات العراقية يوماً بمصير الشيعة او الاكراد ابان حكم البعث , بالتحديد في فترة حكم صدام حسين , لم يفكر سنة العراق بمصير اخوانهم في الوطن , من ابناء المحافظات الجنوبية , وكيف كانوا يساقون للموت والجوع , بينما هم ينعمون بالحياة الكريمة , لم يفكر المستفيدون من القومية العربية بالفقراء من ابناء جلدتهم , وهم يبيعون اخر ما يمتلكوه وهي اجسادهم في عواصم العهر العربي , لم يفكر المسيحي والكلداني والاشوري وغيرهم بالاخرين , على اعتبار انهم اقليات متناثرة في وطن تحكمه اغلبية مسلمة , وعليه يجب ان ينسقوا اوضاعهم مع الحكومة وقتئذ , ايضاً لان الحكومات تعتمد بشكل كبير على الاقليات , لانها تشتري ولائهم من اجل حمايتهم من حكم الاغلبية . كان الجميع يرى ان الاوضاع طبيعية , السيد القائد يسيطر على مقاليد الحكم بشكل طبيعي , المعارضة الى مقاصل الاعدام بشكل طبيعي , الفقراء يبيعون بناتهم في عواصم الاشقاء بشكل طبيعي , الشباب اما حطب للحرب او للهجرة ايضاً بشكل طبيعي . اين الوطن في كل هذا ؟. الوطن بعيون الاخرين ... الوطن كما اراه ... الوطن كما يراه غيري ... ليس هناك رؤية واحدة كما ليس هناك وطن واحد . الافكار الجماعية وان كانت عظيمة , ان لم تثبت صحتها على ارض الواقع , ليس من حق المنظرين لها مطالبة الاخرين بقبولها نظرياً . ضعفاء الامس ... اليوم هم الاقوى !. فقراء الامس .... اليوم هم اكثر ثراءً !. المغلوبون على امراهم ... هم اصحاب القرار اليوم . ما كان يرفضه ضحايا الامس .... اصبح ينادوا به كونهم جلادوا اليوم !. الذين تجاهلوا ابناء جلدتهم بالامس .... اليوم يصرخون من التهميش والتشرد !. هي حركة الزمن . البعض غير مرغوب بهم في هذا الجميع , بالنسبة للطرف الاقوى , بتعبير ادق انهم امر واقع على هذه الارض , وبالتالي لا منطق مشترك يجمعهم , فقط يجمعهم منطق الكذب !. فما هو الكذب الذي جمعهم ؟ : منطق الكذب ينقسم الى كذبتين يتناولها الطرف القوي والطرف الضعيف بنفس الالية , ولكن بأوقات ومواقع مختلفة . اولاً اكذوبة الوطن : بعقة الارض التي تسفك عليها كرامة ابنائه وشرف بناتهم , بقعة الارض يصفع فيها الاب امام ابنائه , هذه الارض من المستحيل ان تسمى وطن . ثانياً اكذوبة الدين : لم تتوافق الاديان الابراهيمية يوماً قط الا على الحرب , ولم تتوافق المذاهب الاسلامية قط الا على انتصار احدها على الاخر , وعليه من المستحيل ان يسمى دين . اما العروبة والقومية العربية فهي الاكذوبة الاحدث على المجتمع العراقي , اذا ما قارنا بين تاريخه الطويل كمجتمع وبين هذه الفكرة الهجينة , وعليه من المستحيل تجمع كل هذه المكونات تحت شعاراتها . كيف يشعر الانسان بالانتماء الى ارضه والى وطنه , وهي خليط ما تقبل بعضها البعض الاخر ؟. متى يكون الانسان مديناً لارضه ولوطنه , وهناك من يتربص به في كل الاوقات ؟. ما جرى بالامس كان امر طبيعي للبعض .... ما يجري اليوم امر طبيعي للبعض الاخر .
|