هيكلة مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية

 

بعد أن تطرقنا  في الموضوع السابق الى ضرورة هيكلة وزارات ومؤسسات  وهيئات الدولة المدنية وما توفره هذه العملية من  أموال كبيرة وقدرات وطاقات أخرى يمكن استثمارها في مجالات عديدة لخدمة الوطن والشعب سأتطرق هنا الى ضرورة هيكلة العديد من المؤسسات العسكرية والأمنية التي لا يحتاجها بلد مثل العراق والتي استنسخت بشكل غير مدروس من جيوش وقوات أمنية لدول كبرى كأمريكا لها العديد من الجيوش والقوات والتشكيلات المتعددة المهمات في الداخل أو خارج الولايات المتحدة الأمريكية ولها قواعد في العديد من دول العالم وتواجه أخطاراً كبيرة وتحديات عسكرية وأمنية مختلفة وتشترك مع العديد من الدول الأوربية وغيرها في أحلاف واتفاقيات عسكرية وأمنية تتطلب وجود هذا الكم والحجم الكبيرين من القوات العسكرية والأمنية,وبالنسبة لبلدنا وعلى سبيل المثال فان تنظيم وزارة الدفاع العراقية ومنذ تأسيس الدولة العراقية وحتى الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003  مر بالعديد من التطورات واستقرت منذ سنين طويلة سبقت الاحتلال على هيكل تنظيمي مرن وواجبات محددة حيث كانت الوزارة تتألف من مقر الوزارة الذي يضم الوزير وأمين السر العام وعدداً من ضباط الركن من جميع القوات البرية والجوية والبحرية وطيران الجيش وممثلين عن الصنوف والخدمات الأخرى ورئاسة أركان الجيش التي هي الأخرى يتألف مقرها من رئيس أركان الجيش الذي يرتبط به مباشرة قادة الأسلحة الخمسة (القوة الجوية وطيران الجيش والقوة البحرية وقوات الصواريخ وقيادة الدفاع الجوي  وبدوره رئيس أركان الجيش يخول معاونيه لتنسيق عمل هذه القوات خلال الحرب ) وأمين السر العام وضباط ركن الرئاسة  ولرئيس أركان الجيش أربعة معاونين الأول للعمليات  والثاني التدريب والثالث للإدارة والرابع للميرة  ويرتبط بمعاوني رئيس أركان الجيش مديريات وصنوف الجيش المختلفة كلاً ضمن اختصاصه وعلى رئيس أركان الجيش ومعاونوه تقع مسؤولية قيادة جميع القوات وإدارتها في الحرب والسلم وبإشراف وتوجيه من وزير الدفاع , وبالإضافة الى رئاسة أركان الجيش هناك القيادة العامة للقوات المسلحة التي ترتبط برئيس الجمهورية بصفته القائد العام للقوات المسلحة وتتألف هذه القيادة من أمين السر ورئيس أركان الجيش ومعاونوه وقادة الفيالق وقادة القوات ومدير الاستخبارات العسكرية وعدد من ضباط الركن من مختلف الصنوف والاختصاصات ويبرز دور هذه القيادة في الحرب وفي الحالات  الحرجة التي يتهدد فيها أمن البلد وسيادته .  وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 تم حل الجيش العراقي وجميع المؤسسات العسكرية والأمنية الأخرى من قبل قوات الاحتلال وتم تشكيل جيش جديد وقوات أمنية جديدة حاكت في تنظيمها تنظيم الجيش الأمريكي والقوات الأمنية الأمريكية وهذا هو الخطأ الكبير الذي وقعت به قوات الاحتلال ووقع به قادة البلد بسبب قلة خبرتهم ومعرفتهم بالأمور العسكرية وتنظيم الجيش وبتنظيم ومهام القوات الأمنية لان ظروف وحجم بلدنا وتوليفته الاجتماعية المتنوعة تختلف عن أمريكا , فبالنسبة  للجيش الجديد ففي المقر العام أبقى الأمريكان على وزارة الدفاع على أن يتولى مسؤوليتها شخص مدني (خوفاً من الانقلابات العسكرية من خلال الهيمنة على القوات المسلحة ) كما بقيت رئاسة أركان الجيش التي تتألف من رئيس أركان الجيش ومعاونوه الأربعة لكن الجديد في التنظيم الأمريكي استحداث قيادة سميت قيادة القوات البرية وبعد توسع الجيش استحدثت قيادة  أخرى تحت مسمى قيادة العمليات المشتركة وهذا هو الترهل الكبير الذي حدث في المقرات العليا للجيش.المعروف  في جيشنا السابق وأغلب جيوش العالم إن رئيس أركان الجيش ومن خلال معاونيه هم من يتولون قيادة كل القوات المسلحة في الحرب ومنهم يأخذ قادة العمليات وقادة الأسلحة أوامرهم وتوجيهاتهم مباشرة فلماذا هذه الحلقات القيادية الزائدة التي تعرقل عمل القوات المسلحة وتسبب مشاكل في القيادة والسيطرة على القوات وفي تنسيق الأعمال وإصدار الأوامر ومتابعة تنفيذ المهام والواجبات بسبب تعدد القيادات والمرجعيات  ثم ماذا يبقي لرئاسة أركان الجيش من مهام وواجبات بعد تشكيل قيادة العمليات المشتركة وقيادة القوة البرية فهذه القيادات الجديدة أخذت أدوار وواجبات رئيس أركان الجيش ومعاونوه  وبقيت هذه الرئاسة مهمشة لا أدوار حقيقية لها وأصبحت هناك ازدواجية في العمل بين رئاسة أركان الجيش والقيادات الجديدة فلماذا هذه الازدواجية وهذا الهدر الكبير في الموارد والقدرات فهذه القيادات المستحدثة هي استنزاف للموارد خصوصاً البشرية والمادية فقيادة القوات البرية وقيادة القوات المشتركة كل منهما يحاج الى قائد والى معاون والى هيئات ركن والى غرف عمليات يتولى إدارتها ضباط ركن والى حمايات وهذا هدر للموارد البشرية كما إن هذه القيادات تحتاج الى مقرات دائمة وأخرى جوالة والى غرف عمليات في قواطع العمليات الى رواتب لمنتسبيها و مخصصات ونثريات والى عجلات وأسلحة وأعتده وتجهيزات وهذا هدراً آخر للموارد المادية ولا داعي لمثل هذه القيادات مع وجود رئيس أركان الجيش ومعاونوه , هذا فيما يخص المقر العام أما في القيادات والتشكيلات فالمشكلة أعقد والهدر أكبر ففي بداية تشكيل الجيش الجديد اعتمد في تنظيمه على الفرق والألوية ومن ثم تم استحداث قيادات العمليات وهي قيادات غير متجانسة لأنها تخضع كل القوات العسكرية والأجهزة الأمنية في المحافظات والمناطق تحت قيادتها وهذا غير منطقي لان واجبات الجيش تختلف عن واجبات الشرطة والقوات الأمنية الأخرى فضاعت (المشيتين )لا البقاء على قيادات الفرق ولا الاعتماد على قيادات الفيالق التي تضم عدة فرق عسكرية بسبب هذا الهجين الجديد الذي سمي قيادة العمليات . وبالإضافة للفرق والألوية تم تشكيل قيادات وفرق وألوية عديدة تحت مسميات مختلفة وواجبات بعضها ليست من واجبات الجيش وبعض هذه الألوية كانت تحت قيادة وزارة الدفاع وقيادة العمليات المشتركة والبعض الآخر كانت مستقلة عنه وتحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة وهذا هو التعقيد في القيادة والسيطرة وفي التنسيق والعمل وهذا هو الهدر الكبير في الموارد والطاقات والقدرات البشرية والمادية ومن الأمثلة على هذه التشكيلات الجديدة قوات مكافحة الإرهاب وقوات التدخل السريع والفرق الذهبية وغيرها ولتعقيد أمور القيادة والسيطرة وضعت جميع هذه القيادات تحت قيادة القائد العام للقوات لمسلحة والمعروف إن رئس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة وهو شخص مدني والشخص المدني تنقصه الكثير من الأمور التي يحتاجها لقيادة هذه القوات والقوات المسلحة الأخرى ,هذا فيما يخص الجيش أما بالنسبة للشرطة فالمشكلة الهدر وتعدد القيادات والتشكيلات لا تقل تعقيداً عما موجود في الجيش وحسب النظام الفيدرالي أصبحت هناك شرطة محلية في المحافظات وشرطة اتحادية  فتحولت الشرطة المحلية الى قيادة وترتبط بها قوات ما أنزل الله بها من تسميات كأفواج الطوارئ وأفواج المغاوير وقوات سوات ومكافحة الشغب والتظاهرات وتسميات وقوات أخرى وتحولت الشرطة الاتحادية الى جيش آخر يتألف من العديد من الفرق العسكرية يقودها قادة من الجيش وهذا الأمر غير منطقي وغير واقعي وهذا هو الهدر الكبير بعينه في الموارد البشرية والمادية  فقيادات الفرق في الشرطة الاتحادية وأفواج المغاوير والطوارئ في الشرطة المحلية  هدر كبير في موارد الدولة تكلفها الكثير من الأموال والإمكانيات التي يمكن الاستفادة منها في مجالات عديدة  وهذه التشكيلات المستحدثة بحاجة الى هيكلة حقيقية وإعادة النظر في تنظيمها وواجباتها وإذا كانت الدولة ونتيجة للضروف الأمنية  المعقدة التي يمر بها البلد بحاجة الى زيادة التشكيلات العسكرية كان عليها زيادة عدد فرق الجيش وتفعيل العمل ألاستخباري والأمني  بدلاً من تحويل الشرطة الاتحادية الى جيش آخر وتغيير مهامها فهذا الأمر يحتاج الى وقفة جادة والى إعادة النظر في كل التشكيلات العسكرية في الشرطة الاتحادية والمحلية وعدم إخراج  الشرطة عن مهامها الأمنية .     وهناك أجهزة أخرى في الدولة تمثل هدراً كبيراً لمواردها المادية والبشرية فهناك جهاز للمخابرات وجهاز للأمن الوطني وهذه الأجهزة مستقلة ولكل جهاز رئيس للجهاز بدرجة وظيفية خاصة وله معاونوه وأعداد من الضباط والمنتسبين ولهذه الأجهزة  مقرات مركزية وأخرى في المحافظات وهناك مديرية للاستخبارات العسكرية ومديرية للاستخبارات والأمن في وزارة الدفاع وهناك استخبارات الداخلية ومديرية الشؤون العامة في وزارة الداخلية ولهذه المديريات فروع في المحافظات وكل هذه الأجهزة واجباتها استخباراتية ومعلوماتية فمن ينسق عملها ومن يسيطر على هذه الأجهزة المتعددة وكيف يتم التعاون بينها أما كان بالإمكان اختصار هذه الأجهزة  وهيكلتها الى جهاز للمخابرات و جهاز للأمن  وجهاز المخابرات معروفة واجباته التي أغلبها تكون خارج البلاد وواجباته في الداخل تتعلق بالأجانب من مقيمين وشركات وبعثات وغيرها ويختص  جهاز الأمن  بأمن المواطنين وتبقى أجهزة وزارتي الدفاع والداخلية محصورة في تشكيلات الجيش والشرطة وبذلك يتم الحد من الهدر في موارد الدولة وإمكانياتها وتصبح عملية القيادة والسيطرة على هذه الأجهزة سهلة والتعاون بينها ممكن بعد أن تتحدد واجباتها بدلاً من الفوضى الحالية  وتداخل الواجبات والمسؤوليات  التي تسببت في فقدان الأمن والأمان بسبب تعدد الأجهزة والتسميات وتداخل الواجبات وتعدد القيادات والمرجعيات وصعوبة السيطرة والتنسيق وهذا هو الهدر الكبير في أموال الدولة وقدراتها وطاقاتها البشرية والذي يحتاج الى هيكلة وترشيق اقتصاداً بالنفقات والقدرات الأخر   وهناك العديد من موارد استنزاف قدرات الدولة ومواردها العسكرية والأمنية ممثلة في وجود العديد ون المستشارين العسكريين والأمنيين للعديد من المسؤولين والسياسيين أما بصيغة مكاتب أو بشكل مقرات وأفراد وأغلب هذه التوصيفات الوظيفية  خارج الملاكات وخارج الضوابط وتكلف الدولة الكثير من الخسائر المادية والبشرية كمقرات ورواتب ومخصصات ونثريات وعجلات ومنتسبين بالإمكان خصخصتها والاستفادة من مواردها  البشرية والمادية في أماكن أخرى مهمة تخدم الوطن والشعب بدلاً من خدمة أشخاص . وهناك هدر كبير في موارد الدولة الاتحادية سببه وجود جيش آخر في البلاد لا يخضع لسلطة الدولة الاتحادية و لا يخضع لقيادة القائد العام للقوات المسلحة ولا لوزير الدفاع  انه جيش البيشمركة الذي  يرتبط برئيس إقليم كردستان ويأخذ أوامره منه فقط دون سواه والبيشمركة تحتاج  الى وقفة خاصة تتعلق بدستورية تشكيلها وبتنظيمها و تسليحها وعدد أفرادها ورواتب منتسبيها ومخصصاتها وقوانينها التي تخضع لها . هذه بعض الأمور التي تستنزف موارد الدولة المالية وقدراتها البشرية والتي تخص الجيش والأجهزة الأمنية على الحكومة إعادة النظر في تشكيلها وتنظيمها وهيكلة العديد منها اقتصادا بالنفقات  والقدرات والحد من الهدرفي الأموال والطاقات والإمكانيات وتوحيد القيادات والمرجعيات لتسهيل عمليات القيادة والسيطرة وتنسيق الأعمال والمهمات والواجبات .