مرحلة إنتقالية أم إنتقامية ؟

 

تعرف المرحلة الانتقالية هو الفترة المحصورة بين سقوط نظام حكــم وقيام نظام حكم آخر مختلف عنه وهي في كل الأحوال لا تتعدى مرحلة كتابة دستور وإجراء انتخابات تعطي الشرعية للنظام الســـــياسي الجديد،هذا التعريف ربما ينطبق على حـــالات ولا ينطبق على أخرى ، ووجدنا في تاريخنا المعاصــــر إن دول أوربا الشرقية عندما تهاوت أنظمتها الشيوعية وتحولت إلى نظم ديمقراطية كانت المرحلة الانتقالية قصيرة بالقياس لما حصل في الدول العربية في عصر( الربيع العربي) الذي طالت فترته الانتقالية بل بعضها كما في الحالتين الليبية واليمنـــية لم تبدأ هذه المرحلة بعد بــــــــسبب الحروب الداخلية منها والخارجية.

 

ولعلنا نجد بأن ما يمر به العالم العربي الآن حالة جديدة لم يألفها العرب من قبل في حياتهم السياسية، حيث سقطت أنظمة دكتاتورية قي تونس ومصر وليبيا واليمن وقبل هذا سقوط النظـــام الشمولي في العراق عام 2003 وأخرى تترنح في أماكن أخرى .

 

ولأول مرة في تاريخهم يعيش العرب مرحلة انتقالية تنقلهم من الشمولية للديمقراطية ،ويفترض في هذه المرحلة أن يتم بناء إنسان جديد ومفاهيم جديدة ونمط حياة يختلف كثيراً عما كان سائدا ً في الماضي الذي تهاوى،ولكننا نجد بأن المرحلة الانتقــــالية في العالم العربي تتحول إلى مرحلة إنتقامية وصراع بين الماضي بكل سلبياته وأدواته وبين الحاضر بكل آماله وطموحاته.

 

ربما تصور البعض بأن ما حدث في العراق بعد سقوط صدام في التاسع من نيسان 2003 حالة خاصة لا يمكن أن تحدث في بلد آخر وعزا البعض ذلك للتنوع العرقي والديني في العراق من جهة ومن جهة ثانية التدخلات الخارجية التي أدت نتائجها للتغيير النظام ومن ثم التدخلات الخارجية بعد ذلك والتي أدت لعدم بناء مجتمع جديد بل كرست الفوضى بشكل كبير جدا.

 

لكن الأحداث اليومية التي تجري في العالم العربي بعد ربيعهم المستمر أثبتت بأن المرحلة الانتقالية لدى العرب هي الأطول والأصعب والأكثر دموية لأن هنالك عنصر مهم لم يغب ويتمثل بالنظام السابق وبقاياه وامتداداته داخل البلد بشكل كبير جداً.

 

وفلول أي نظام سياسي عربي تهاوى بفعل تدخل خارجي أو إرادة الشعوب، يظل يطالب بعودته للحكم من جهة ومن جهة ثانية عدم الاعتراف بالتغيير والقبول بما يختاره الشعب خاصة إذا ما كان التغيير مطلب شعبي كما في الحالتين المصرية والتونسية،ونجد بأن رموز هذه الأنظمة تظل لفترة طويلة تطل بين الحين والآخر محاولة الإيحاء بأنها تمثل( شرعية)رغم إدراكها بأنها لم تعد تمثل سوى الأشخاص الذين لم يدركوا بعد معنى التغيير الحاصل واقعياً وبشكل ملموس.