وزارات ومؤسسات الدولة بين الترهل الإداري والهيكلة |
تحاول كل دول العالم وحكوماتها استغلال الجهد والوقت والإمكانات المادية والطاقات البشرية والقدرات الأخرى لتقديم فضلى الخدمات لمجتمعاتها وتحقيق برامجها التنموية والاقتصادية من خلال التنظيم الإداري الجيد وضغط الإنفاق الحكومي والاعتماد على المؤسسات والدوائر الفاعلة والتقليل من المؤسسات الغير منتجة وبالتالي التغلب على الروتين واختصار الوقت والجهد للوصول الى الأهداف الاقتصادية والتنموية وتحسين الخدمات الاجتماعية بانسيابية عالية ودون خسائر غير مبررة على عكس ما يجري في بلدنا حيث توجد العديد من المؤسسات والهيئات والدوائر الغير منتجة والمعطلة للعمل الحكومي إضافةً الى ذلك فإنها تكلف خزينة الدولة أموالاً طائلة كرواتب لموظفيها ومخصصات ومقرات وعجلات ونثريات وايفادات يجب على الحكومة في هذه الظروف الاقتصادية والمالية المحرجة بخصخصة أو هيكلة هذه المؤسسات والهيئات لاستفادة من الأموال الكبيرة التي تصرف عليها لتعزيز ميزانية البلد أو صرفها على مشاريع تنموية وعمرانية وخدمية تخدم البلد وتلبي متطلبات الشعب . لقد حاولت الحكومة العراقية برئاسة العبادي الحد من الترهل الإداري من خلال دمج بعض الوزارات إلا أن هذه الخطوة كانت غير كافية في ظل ترهل إداري كبير في كل وزارات ومؤسسات الدولة ودوائرها التنفيذية والتشريعية منها وحتى القضائية ولتسليط الضوء على هذا الترهل لنبدأ في الوزارات وعلى سبيل المثال ففي أمريكا وأغلب الدول ذات الأنظمة الفيدرالية وحتى الدول غير الفيدرالية تتألف الحكومة المركزية من وزارات لا تزيد عن عدد أصابع اليدين لإدارة الدولة المركزية فيما تخول المؤسسات والحكومات المحلية إدارة شؤونها لتقليل العبء على الحكومة المركزية و تحقيق الانسيابية والسهولة تنفيذ الخطط والبرامج التنموية والاقتصادية والصناعية لكن في بلدنا ولأغراض سياسية ولتحقيق مكاسب فئوية لا تخدم البلد ولا الشعب بل على العكس من ذلك تتسبب في هدر كثير لأموال الدولة نرى إن الحكومة تتألف من أكثر من عشرين وزارة إضافة الى هيئات ومؤسسات ما أنزل الله بها من سلطان أغلبها غير ذات جدوى وتستنزف أموالاً طائلة من ميزانية الدولة ولا تقدم منجزات توازي ما يصرف عليها من أموال كرواتب ومخصصات وصرفيات أخرى ثم إن العديد من هذه المؤسسات والهيئات الحكومية لها نظيراتها في السلطة التشريعية مما يؤدي الى تضارب في الأعمال واختلاف في الرؤى يعطل عمل الدولة بدلاً من معاونة الدولة في مهامها , وعلى سبيل المثال بالنسبة للترهل الإداري الحكومي توجد وزارة للكهرباء وأخرى للنفط وبالإمكان اختزالهما بوزارة واحدة للطاقة ونفس الأمر ينطبق على وزارة الزراعة (والزراعة شبه ميتة في بلدنا ) ووزارة الموارد المائية والوزارتان متقاربتان في التخصص وبالإمكان دمجهما في وزارة واحدة تسمى الزراعة والموارد المائية أو الزراعة والري كما بالإمكان دمج وزارتي الصناعة والتجارة بوزارة واحدة ,ودمج وزارة الهجرة مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وهناك وزارات أخرى يمكن دمجها مع وزارات مماثلة في التخصص لتقليل الإنفاق الحكومي وترشيق وزارات ومؤسسات الدولة والاستفادة من الأموال التي تتحقق من خلال الهيكلة والحصحصة لتعزيز ميزانية الدولة ومساعدتها في تحقيق خططها انجاز مشاريعها الإستراتيجية وتوفير رواتب الموظفين والمتقاعدين بدلاً من اللجوء الى استقطاع رواتب الموظفين والمتقاعدين , ونفس الأمر ينطبق عل العديد من الهيئات التي تتشابه في اختصاصاتها كهيئة النزاهة المستقلة وديوان الرقابة المالية والمفتشون العامون في كل وزارات ومؤسسات الدولة وهذه الدوائر والمناصب تتشابه في عملها ويمكن الاعتماد على أحدهما لتحقيق الأهداف التي تريد الدولة تحقيقها وهي حماية أموال الدولة ومحاربة الفساد والسرقات والصرف الغير مبرر فما جدوى وجود ديوان رقابة مالية مع وجود هيئة نزاهة مستقلة ولكل منهما رئيس بدرجة وزير ونواب للرئيس ومدراء عامون وموظفون ومخصصات ونثريات وصرفيات أخرى لا حصر لها يمكن للدولة الاستفادة منها في حالة هيكلة واحدة من هاتين المؤسستين في مجالات مختلفة , وإذا كانت هناك هيئة للنزاهة وديوان للرقابة المالية فما جدوى وجود مفتشين عموميين في كل مقر وزارة ومؤسسة ودائرة من دوائر الدولة يصل أعدادهم الى الآلاف أليس هذا هدراً لموارد الدولة وأموالها ؟مع العلم هناك هيئة للنزاهة في مجلس النواب تشابه في اختصاصها وعملها هيئة النزاهة المستقلة وهذا هو الهدر بعينه للموارد المالية والبشرية , ونفس الحال ينطبق على هيئة الإعلام والاتصالات التي لها رئيس وأمناء عامون بدرجات خاصة ومدراء وموظفين و توجد في الحكومة وزارة تسمى وزارة الاتصالات يمكن أن تأخذ على عاتقها واجبات الهيئة والوزارة فيها متخصصون في هذا المجال أفضل من الهيئة وبذلك يمكن الاستغناء عن هيئة الاتصالات ومقراتها وموظفيها وصرفيات أموالها التي تفوق صرفيات أية وزارة . وهناك حالات أخري للترهل الإداري أصبحت ظاهرة في الوزارات والمؤسسات ووصلت حتى الى الدوائر الصغيرة وتتمثل هذه الحالة في المستشارين الذين يتم تعيينهم حتى خارج الضوابط وتسبب هذه الظاهرة زيادة في الإنفاق الحكومي وتزيد حالة الترهل الإداري في الوزارات والمؤسسات ففي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وفي الوزارات وأغلب دوائر الدولة يتم تعيين موظفين بدرجة مستشار وأغلب هؤلاء لا تتوسم فيهم صفة المستشار لا من ناحية المؤهل الأكاديمي التخصصي ولا من ناحية الخبرة والتجربة والممارسة والمصيبة أن بعض هؤلاء لا يحملون مؤهل دراسي يوازي عملهم كمستشارين وأصبحت مناصب المستشارية هذه مخصصة للمقربين من الأبناء والأشقاء والأقارب وأبناء الأصدقاء أومن أعضاء الأحزاب المتنفذة ووصل الأمر الى وجود عدد كبير من المستشارين لمسؤول واحد كما وصل الأمر الى تعيين مستشارين في الحكومات المحلية للمحافظين وأعضاء مجاس المحافظات و مدراء البلديات والماء والمجاري و التسجيل العقاري ومدير الشرطة وغيرها.هذه بعض الأمثلة على الترهل الإداري في السلطة التنفيذية وهناك أمثلة كثيرة لا يسع المجال لذكرها وبإمكان الحكومة خصخصة هذه الوزارات والمؤسسات والمناصب والاستفادة من الأموال الكبيرة التي تصرف عليها لتعزيز ميزانية الدولة والتقليل من الأعباء المالية لها أو صرفها لأغراض تلبي حاجات أساسية للدولة والشعب . وما يقال عن السلطة التنفيذية يقابله ترهل إداري آخر في السلطتين التشريعية والقضائية فعدد أعضاء مجلس النواب العراقي أكثر من عدد أضاء البرلمان الهندي مع أن عدد سكان الهند مليار وربع المليار نسمة وأكثر من عدد أعضاء البرلمان الألماني والفرنسي ومجلس الدوما الروسي والمصيبة الكبرى ليست في عدد أعضاء مجلس النواب لكن في مجالس المحافظات التي يصل عدد أعضاء مجلس المحافظات الكبيرة منها الى أكثر من ثلاثين أو أربعين عضواً ولكل واحد من هؤلاء حماية ومخصصات وعجلات وصرفيات كبيرة جداً يضاف إليهم أعضاء مجالس الاقضية والنواحي والمجالس البلدية لعموم محافظات العراق والمشكلة إن جميع هؤلاء يحالون الى التقاعد بعد انتهاء الدورة الانتخابية وعلى القارئ أن يتخيل بعد عشرين عاماً كم يصبح أعداد هؤلاء المتقاعدين من أعضاء هذه المجالس والذين يحصلون على رواتب عالية وما هي المبالغ التي تصرف لهم كرواتب تقاعدية انه رقم مهول ومخيف وهذه الحالة الشاذة لا توجد إلا في العراق فقط ولخدمة الأحزاب المتنفذة وأعضائها ولم تعالج الدولة هذه الحالة رغم العديد من المناشدات من مختلف الجهات لتقليل أعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية والنواحي لكن دون جدوى وقد ذكرت في مقال سابق نشر في جريدة الزمان وبشكل تقريبي حجم الأموال التي تصرف شهرياً كرواتب ومخصصات لأعضاء هذه المجالس فكان رقماً كبير |