ما المطلوب منا اليوم؟

 

   لقننا أهلونا منذ الصغر مثلا وقيما ومبادئ، منها ماظل راسخا رسوخ الشجرة في باطن الأرض، ومنها ما جرفته رياح الطيش وعنفوان الشباب، فأما الأولى، فمازلنا ننعم بمغانمها وريعها وسط أقراننا ونظرائنا من بني آدم، وأما المجروف منها فقد حلت محله أخريات، فرضتها علينا تغييرات اجتماعية وثقافية وشخصية، إلا أن ثوابت وأساسيات ظلت ملازمة لسلوكياتنا تأبى مفارقتنا في أفراحنا وأتراحنا على حد سواء. ففي صغرنا علمونا أن التعاون ومعيتنا يسفر عن قوة، تمكننا من الوقوف بثبات على أرضية رصينة لاتهزها الظروف المحيطة بنا. ففي وقت كان شغلنا الشاغل اللعب وابتكار ماهو جديد منه، لاسيما أن المتوفر بين أيدينا من الوسائل حينها ليس أكثر من الـ (دعابل) والـ (مصرع) والـ (چعاب) إذ لاوجود للـ (ATARY) والـ (CeeGA) والـ (X. BOX) مع ذا كان التأكيد على روح التعاون هو النصيحة الأولى التي تتكرر على مسامعنا دوما، وعلينا الامتثال لها وإلا فخسارة اللعبة أول مانتعرض اليه، ناهيك عن الحساب والعقاب لعدم الامتثال الى النصح والأوامر. 

  وكبرنا.. وتطورت بعض ألعابنا واندثرت أخرى، وحل محلها اهتمامات أملتها علينا ظروفنا الحياتية، بين أعمال وارتباطات والتزامات، مهنية وأخلاقية وإنسانية، وتغيرت حيثيات حياتنا ويومياتنا، بعضها نحو الأسوأ والآخر نحو الأحسن، لكن الشيء الوحيد الذي بقي محافظا على ثباته ولم ينل منه التغيير هو التعاون.. روح التعاون. فما من مفصل من مفاصل حياتنا ولاجانب من جوانبها، إلا وكانت للتعاون اليد الطولى في السعي لتحقيق جميع مآربنا.

   وبالرجوع بذاكرتنا الى الأعوام 2006- 2007 – 2008. حين مر العراق بأعتى عاصفة اجتمع في صنعها أشخاص وأحزاب وفئات وجهات ودول، تعاونوا على الإثم والعدوان فيما بينهم، فيما تعاون العراقيون -الشرفاء فقط- على البر والتقوى فما كانت النتائج؟ يوم بلغت تضحيات العراقيين بمالهم وأرواحهم مبلغا قلما نجد مثيله في بلدان أخرى. ولاأظن أحدا منا قد نسي كيف ثابر وجاهد آنذاك كثير من الأطباء والمهندسين والمدرسين وأساتذة الجامعات وباقي الكفاءات والاختصاصات، فضلا عن ضباط ومراتب ومنتسبي وزارتي الدفاع والداخلية، وقدموا ما استطاعوا من عطاء ممزوج بالمعاناة رغم التحديات الصعبة التي واجهتهم، ورغم التهديدات التي تعرضوا لها، من فئة تعاونوا على ضلالتهم وتكاتفوا على خسة غرضهم ودناءة هدفهم، فنالوا مانالوه من تعاونهم ذاك. فبالتعاون إذن، يصل المرء مبتغاه لاسيما إذا كان ذاك التعاون لغاية تصب في خدمة المصلحة العامة، إذ هي أكثر نفعا وأعم فائدة من نظيرتها الخاصة. 

   اليوم في عراقنا السائر نحو المعافاة من أدران الاجتياح التتري الأخير، يفرض التعاون وجوده الملح بكل أشكاله بين فئات مجتمعنا جميعها، بقومياته وأطيافه وأقلياته كافة، وماعلينا جميعا إلا إفشاؤه في البيت والشارع والمؤسسة ومحال أعمالنا، وما أقصده بجميعنا هم نحن أبناء البلد، أما الجالسون على كراسي التسلط والتحكم والمسؤولية المشبوهة، فكلنا نعلم أن التعاون قد شحّ ونزر بل انعدم وجوده بينهم تماما، فهم دوما وسط تجاذبات ومناكفات تنأى عن معنى التعاون وكنهه وفحواه. الدور الأول والأخير إذن، علينا نحن وليس على المتكسبين من مناصبهم والمنتفعين منها على حسابنا وحساب البلد، وعلينا إدراك أن الاتكاء على هؤلاء لن يودي بنا وببلدنا إلا الى الخراب والتقهقر والنكوص.

aliali6212g@gmail.com