"ملء السنابل تنحني بتواضع" |
كم هو زاخر تأريخنا بالأمثلة التي تحث على حسن التكلم، وترشدنا الى اتباع العذب من الكلام للتعبير عن رأي او موقف في قضية ما، إذ يتخذ كل منا أسلوبه الخاص في الطرح والإيضاح، لتبيان وجهة نظره فيها، وقطعا هو يسعى لإقناع الطرف المقابل بما هو مؤمن ومقتنع به. ويسري هذا في كل النشاطات والنقاشات وعلى الأصعدة كافة، سواء أفي البيت كانت أم في المدرسة أو المعمل أو الشارع وكذلك في الـ (كيا)!. وفي الأخيرة على وجه الخصوص نجد الطبيب والمهندس والمعلم والتلميذ والعامل والفلاح وربة البيت والعاطل عن العمل والأمي، وكذلك المعتوه والمجنون. وعن أفانين الكلام والتحكم بمفرداته، وتقنين التفوه به، يقول الإمام علي عليه السلام: واحفظ لسانك واحترز من لفظه فالمرء يسلم باللسان ويعطب وزن الكلام إذا نطقت ولاتكن ثرثارة في كل نادٍ تخطب ومن المؤكد ان نصحية مثل هذه، من شخص مثل شخص الإمام علي تعدّ نهجا علينا انتهاجه، وسبيلا علينا سلوكه للوصول الى احترام مجايلينا ممن يستمعون الى كلامنا. وقطعا تزداد حاجتنا الى التمسك بالوسائل التي تجعل كلامنا ذا أهمية ومكانة في مسامعهم، كلما تبوأنا مركزا اجتماعيا مرموقا، او أوكل لنا منصب تقع علينا بموجبه مسؤولية رعية نسأل عنها يوم لاينفع مال ولابنون. في عراقنا الحالي.. متبوئو تلك المراكز باتوا كثيرين، فهم كما يقال: (عدد النجم والحصى والتراب)، وهم يملأون الساحة السياسية بكل أبعادها، منهم منظور.. ومنهم خلف الكواليس، ومنهم نزيه.. ومنهم غير ذلك، كذلك منهم فعّال -وهم قلة- ومنهم قوّال (باللام او بالدال!). وبين هذا وذاك يتقلب العراقيون على صفيح ساخن من الحرمان والفساد والترديات الأمنية والخدمية، وإن استقر بهم القرار فهو يستقر تحت خط السلام ودون مستوى الأمان وبعيدا عن حدود الطمأنينة. ومع قلة اولئك او كثرتهم، يبقون ملزمين بالامتثال الى القول السليم البعيد عن الثرثرة والخطل، لاسيما من يشغل منهم منصبا قياديا او رئاسيا. إن في أحداث البلد متسعا لمن أراد الخوض في بحر التكلم والتمنطق الجاد والمجدي، كما أن فيه متسعا أكبر لمن أراد التشدق والتبجح والتقول بالباطل من الكلام، وللإثنين حرية مطلقة فيما يبتغون، مقابل هذا هناك من الحرية مساحة كبيرة للحاكمين على مايقول هؤلاء وهؤلاء. ولو أخذنا ما يحدث خلال الأيام القلائل الماضية في موضوع التصويت على القوانين والقرارات، لرأينا الكلام الذي يقال ويحكى ويكتب ويلقى ويصرَح به من على منصات الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، يكاد يبلغ عشرات الأضعاف مما أنجز من الأعمال بحق وبجدية، حتى أن كثيرا من الأفعال المجدية، يكاد صداها يتلاشى ويضيع -بل يضيع فعلا- وسط ضجيج الأقوال والصيحات اللامجدية. ولعل مثلنا القائل؛ (كتلوا ربعه وهو يتحزم) خير ما توصف به مزايدات الكلام لدى سياسسيينا في ما يخرج من أفواههم من أقاويل. فهل يعلم أصحاب المقام ممن يتصدرون القرار السياسي، أن كثيرا من كلامهم وخطبهم وتصريحاتهم يتجسد فيها قولنا؛ (ماتوكل خبز)..؟ بل أن أغلبها يلقينا في غياهب جب لانحسد على وقوعنا فيه!. وهل يحلو لهم أن يقولوا ما لايفعلون، ليثبتوا بذلك خواءهم وخلوهم من مضمون مايتكلمون به؟ فتتكشف إذاك صورتهم الخاوية إلا من العنجهية والبجاحة والقباحة الفارغة، فيصح فيهم بيت الشعر: ملء السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ aliali6212g@gmail.com |