وطن يتيم |
كلما تأملت العراق وتمعنت في حجم مأساته تخيلت طفلا صغيرا حديث الولادة فقد ابويه قبل ان يشعر بحنانهما ويتدفأ بحضنهما فالتف حوله الغرباء قبل الاقرباء كل يدعى بالاولوية والاحقية في تبنيه وتربيته والوصاية عليه، ليس لتأدية واجب القرابة او حبا به او تنفيذا لوصية والديه او اكراما لمعزة الراحلين بل طمعا في الارث الذي بقى له بعد رحيل الوالدين، وبما ان الثروة كبيرة ولا تقدر وهذا الطفل هو الوارث الوحيد فمن المؤكد ان الصراعات على الوصاية عليه ستكون كثيرة وعنيفة.
فلو لم اكن عراقيا ومقيما في العراق متلمسا وحاسا بالواقع المر الذي يتخبط به الشعب بسبب فساد وجرائم قادة العراق الجدد، واعرف جيدا اي نوع من السياسيين والاحزاب تمسك بزمام الامور وتسيطر على دفة الحكم وتسير الوطن ارضا وشعبا حسب الاهواء والعواطف والمصالح الشخصية، لقلت ان كل ما يقال عن الفساد والمفسدين وتردي الوضع الامني وتدني المستوى المعيشي ولهو الميليشيات والعصابات والتحكم بحيوات المواطنين بحرية دون محاسبة او عقاب وووو ، لقلت ان كل ما يذاع وينشر في الفضائيات والجرائد ووسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية وكل ما تتناقله الالسن من جرائم ترتكب بحق الشعب والوطن ليست سوى اكاذيب وافتراءات واشاعات يفتعلها البعثيين القدامى وعناصر القاعدة واعضاء داعش ( الذين لم يجدوا بين بنات العالم اجمع فتاة جميلة وشريفة يقترنون بها، فالتجأوا وبكل فخر الى تفجير انفسهم وسط مجاميع بشرية لقتل الاف النفوس البريئة من نساء وشيوخ واطفال وعمال وشباب بعمر الزهور ليذهبوا الى الجنة الموعودة وهناك سيتزوجون من بنات الله وحورياته اللواتي حافظن على عفتهن لهؤلاء المجرمين، وكأن الله قاتل وذباح لذلك لا يزوج بناته الا للقتلة ولا يدخل جنته الا المجرمين والسفاحين) لتشويه صورة الحكومة الديمقراطية الجديدة.
فالعراق الجديد او العراق الديمقراطي الاتحادي الفيدرالي او عراق ما بعد النظام او عراق الارامل واليتامى او ......الخ، تسميات عديدة متطابقة احيانا ومتناقضة احيانا اخرى لواقع حال هذا الوطن المبتلى بالفساد والمفسدين والميليشيات الطائفية وعصابات يقودها لصوص ومجرمين يستحقون اقصى انواع العقوبات وليس اعلى المناصب في الحكومة والبرلمان كما هو معمول به في العراق الجديد، اصبح بفضل قادته الجدد بؤرة للفساد حيث يعد وبحسب تقارير منظمة الشفافية الدولية وغيرها من الهيئات والمنظمات الدولية من اكثر دول العالم فسادا، واصبحت حكومته الديمقراطية!!! بانجازاتها العظيمة واعمارها وخدماتها التي لا توصف اكثر صفحات العراق سوادا في تاريخه الجديد.
منذ احتلال/ تحرير العراق عام 2003 والشعب لا يسمع سوى بالفضائح وعمليات السطو والتهريب والاستيلاء على المال العام وسرقته في وضح النهار بصورة علنية ولا يتلمس سوى المصائب والويلات، فالوطن فقد هيبته ولم يبق له من معنى والمواطن فقد ثقته بالعيش والحياة في بلد يحكمه قانون الغاب، والحكومة تسيرها عصابات ومافيات والبرلمان المزين بمختلف انواع الوجوه والانتماءات مشلول ويعمل بالريموت كنترول من بعيد مرة يهتف ومرة يهز برأسه، مرة يقوم واخرى يجلس ساكتا، مرة يرفع يديه واخرى يمتنع عن الحضور ... وهكذا كما يريد السيد صاحب الريموت كنترول، فهذا الوطن الذي تمنينا ان يكون 2003 بداية جديدة وتاريخ جديد لعراق جديد عراق ديمقراطي حر يسوده القانون وينعم مواطنيه وساكنيه بالخير والطمأنينة والسلام ويحس ابنائه بمخلتف انتماءاتهم بالاخوة والوئام... اصبح بحسب كل الوقائع والتقارير والدراسات التي تصدر من المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الانسان والحيوان والطفولة والمرأة والبيئة ....الخ بلدا ( جحيما ) لا يصلح للعيش البشري.
الصراع على السلطة وما يرافقه من قدرة للسيطرة على ثروات البلد لنهب ما يمكن دون خوف من المحاسبة او حتى استجواب ادى الى ضمور روح المواطنة لدى الفرد العراقي وفي نفس الوقت الى فقدان العراقيين بصورة عامة والاقليات بصورة خاصة ( لعدم امتلاكها ميليشيا خاصة تدافع عنها ) لجميع حقوقهم، فكل الشعارات الرنانة والتصريحات العاطفية والتصرفات الملائكية ودموع التماسيح التي نراها ونسمعها ونتلمسها من الحكام الجدد ليست سوى اوسخ وسيلة للتلاعب بمشاعر وعواطف العراقيين لتحقيق مصالح شخصية بعيدة عن الهم الشعبي والجرح الوطني.
مغزى الكلام:- ان الوطن ليس بحاجة الى لصوص يسرقونه في الليل ويبكون عليه في النهار، ليس بحاجة الى سفاحين يذبحونه ويمشون في جنازته دون خجل، ليس بحاجة الى طائفيين يمزقون الشعب ويثيرون الفتنة بين اطيافه ويبكون على وحدة الوطن امام الكاميرات، ليس بحاجة الى منطقة خضراء يباع فيها تاريخ وحضارة وتراث البلد لتسمين الحيتان من الحرام.... الوطن بحاجة الى وطنيين يحملون الوطن في قلوبهم وليس الى تابعين يحملون الوطن في جيوبهم. |