مسودة مشروع ورقة حول التشاور بين القوى المدنية الديمقراطية |
كيف السبيل للبدء بتحقيق وحدة النضال من أجل عراق حر، ديمقراطي ومستقل؟ الأسئلة التي تراود الكثير من عراقيات وعراقيي الداخل والخارج، الأسئلة التي تؤرقهم في تحريهم عن جواب شاف لها هي: هل من نهاية فعلي محتملة للاختلافات والخلافات القائمة بين القوى والأحزاب والشخصيات الديمقراطية المدنية العراقية؟ هل من سبيل لتحقيق الوحدة النضالية بين هذه القوى في مواجهة تحديات المرحلة المعتمة في حياة الشعب العراقي؟ هل من إمكانية لتحقيق جبهة وطنية نضالية موحدة في مواجهة الإصرار على فرض الدولة الإسلامية السياسية واستمرار المحاصصات الطائفية المذلة للشعب العراقي وإذلال مبدأ المواطنة الحرة والمتساوية، من جانب القوى الطائفية المتحكمة، على الدولة وسلطاتها الثلاث ومؤسساتها والسلطة الرابعة؟ هل من سبيل لوضع برنامج نضالي تجتمع عنده وتدافع عنه وتناضل من أجله كل القوى الديمقراطية، اليسارية منها واللبرالية المدنية الديمقراطية والمدنيين العلمانيين من الإسلاميين؟ هل من سبيل لمواجهة تفاقم مريع في الفجوة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين فئات المجتمع في غير صالح الكادحين والفقراء والمعوزين والأرامل والأطفال في المجتمع العراقي؟ أسئلة كثيرة أخرى تراود الإنسان العراقي المدرك لحقائق الوضع الراهن وما يجري بالعراق وما يراد له الآن وفي المستقبل من آفق معتم ومرير من جانب قوى متسلطة وفاعلة بعينها في الداخل، ومن دول وقوى الجوار العراقي وعلى الصعيد الدولي. ليس هناك من وصفة جاهزة يمكن أن تقدم لتنهي هذا الوضع غير المقبول وغير المطلوب حالياً في صفوف القوى المدنية والديمقراطية والتقدمية واليسارية بالعراق، رغم التجارب الغزيرة التي مرّت بها عبر العقود المنصرمة ومنذ ولادة الدولة الملكية العراقية الحديثة في العام 1921، ولاسيما منذ الثلاثينيات من القرن الماضي. ولكن كيف يمكن التحري، عبر جهد جماعي مشترك، عن وصفة عقلانية هادفة وذات طبيعة ديناميكية قادرة على التفاعل مع مجرى الأحداث وحركة ووعي الناس لتحقيق الهدف المنشود. للتو انتهى المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي العراقي وانتخب قيادة جديدة فيها مجموعة من الشباب، الذين يفترض أن يكونوا معبأين بالجديد من الفكر والجرأة على اقتحام الصعاب فكراً وسياسة وممارسة، إلى جانب من امتلك غنى الخبرة الطويلة عبر سني النضال، كما وجه رسائل ودعوات ومشروعاً لتعبئة قوى الحزب ومن هم حوله والقوى المدنية والديمقراطية العراقية، ورؤية سياسية تشير إلى نوع من التغيير الإيجابي في نهجه صوب التعامل مع السلطة والواقع العراقي المرير. وللتو تشكل حزباً جديداً بالعراق هو "حزب التيار الديمقراطي الاجتماعي"، ( وكنت شخصياً أفضل له أن يكون اسمه الحزب الديمقراطي الاجتماعي)، الذي يضم نخبة من العناصر الديمقراطية المثقفة وذات الخبرة النضالية الطيبة. وكلا الحزبين يعملان في إطار التيار المدني الديمقراطي العراقي. وفي هذا التيار توجد شخصيات وطنية وديمقراطية ويسارية مستقلة وربما كتل أخرى لم تتبلور كياناتها حتى الآن. وهناك إلى جانب هذه القوى العديد من الأحزاب والكتل اليسارية التي لم تنسق مع التيار الديمقراطي مثل الحزب الشيوعي العمالي اليساري وغيره. كما إن هناك عدداً كبيراً من الشخصيات الوطنية والديمقراطية العراقية التي لم تنتم لأي من هذه الأحزاب والقوى السياسية والتي لم تجد فرصة للتعبير عن مواقفها السياسية أو لم تنخرط أصلاً في العمل السياسي ولكن يؤرقها بشدة ما هو حاصل بالعراق. وعلى صعيد القوى السياسية في إقليم كردستان العراق، التي شكلت في فترات النضال الطويلة، حليفاً أساسياً للحركة الديمقراطية والتقدمية العراقية، ومناضلاً من أجل عراق حر وديمقراطي مستقل، وفي سبيل الحقوق القومية العادلة والمشروعة للشعب الكردي، تعيش اليوم ابتعاداً واضحاً عن القوى الديمقراطية والتقدمية العربية وغير العربية بالعراق، وتعاني من صراعات حادة تهدد المكاسب الفعلية التي تحققت لشعب كردستان العراق، وللكرد منهم بشكل خاص. وتلعب القوى الإسلامية السياسية ودول الجوار دوراً كبيراً في تشديد هذه الصراعات وفي إبعادها عن القوى الديمقراطية العراقية. وقد أدى هذا الابتعاد إلى ضعف فعلي وحقيقي في جبهة القوى المدنية والديمقراطية العراقية في غير صالح الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي بالبلاد. وضعف هذه الجبهة يعني تعزيزاً للقوى الطائفية والعنصرية والشوفينية المعادية للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والأمن والسلام والتقدم بالعراق. إن وعي هذه الوقائع الصارخة يفترض مبدئياً أن يدفع بالجميع إلى التفكير بحلول عملية تساعد على تجميع القوى كلها في اصطفاف جديد لصالح ما ناضلوا من أجله عقوداً طويلة ومريرة. فهل في الأفق القريب ما يساعد على تحقيق مثل هذا التوجه الذي تفرضه مصالح كل القوميات المتعايشة بالعراق وأتباع كل الديانات والمذاهب الدينية والفكرية والاتجاهات السياسية غير الاستبدادية وغير الشوفينية والطائفية. إن السؤال الذي يوجه من يبحث بمثل هذه القضية الشائكة والأساسية هو: كيف نبدأ لتحقيق مثل هذا التوجه العقلاني للقوى المدنية والديمقراطية على صعيد العراق كله؟ الشرط الأساس والبداية المشجعة تستدعي الرؤية المشتركة أو المتقاربة بإن الوضع بالعراق مريض، ومريض جداً، ويستوجب معالجته جذرياً وجدياً، وعبر تعاون كل القوى ذات المصلحة بالتغيير والإصلاح الجذريين للعراق الراهن. كما يفترض التميز بالتواضع والاحترام المتبادل في التعامل في ما بين القوى المدنية والديمقراطية العراقية. وإذا ما تم الاتفاق على ذلك، يمكن البدء بالدعوة إلى مؤتمر واسع تلتقي عنده كل الأحزاب والقوى والشخصيات المدنية والديمقراطية واليسارية والإسلامية العلمانية العراقية من العرب والكرد والتركمان والآشوريين والكلدان والسريان، والجماعات المضطهدة من أتباع الديانات الراغبة في إيجاد الحلول العملية والسلمية للواقع العراقي الراهن وبناء المجتمع المدني الديمقراطي الحديث، لتناقش ورقة عمل مكثفة، ذات خطوط عامة وأساسية، يمكن أن يتم اختيار شخصيات وطنية حزبية وغير حزبية لوضعها لتكون قاعدة للنقاش في هذا المؤتمر. من هنا لا أجد ضرورة لطرح تصورات محددة عن ورقة العمل، بل إذا ما تم الاتفاق على ذلك عندها يمكن تأمين التعاون لوضع ورقة عمل لهذا الهدف النبيل.
|