الطامة الكبرى.. والطامات كثيرات

 

 

  من باب التشبيه الضمني والكلي والمطابق، أراني أوفق إن جسدت حال العراقيين على مر عصورهم ببيتي الشعر الآتيين:

حتامَ أخرج من ياس الى ياس

وكم أذوق وأبقى طافح الكاس

لاأبلغ الذروة العليا على قدمي

حتى أنكس للوادي على راسي

إذ لاتكاد أوضاع العراقيين تستقر حينا حتى تتدهور أحيانا كثيرة، وماهذا إلا لانعدام المنظومة المؤسساتية الحقيقية التي تتولى حكمهم بشكل منصف وعادل وأمين. فقد أشبع أغلبهم فكره وظنه وحتى عقيدته، بوحدانية القائد وفردية الرئيس بل وربوبيته أيضا، فاختلقوا "قالبا" وضعوا فيه مايتمنوه من مواصفات وكفاءات ومؤهلات، وشخصنوا وظيفة الحاكم والرئيس والقائد وحصروه بشخصية فلان أو علان، ظانين أو حالمين بأنه فارس الأحلام، وهو الذي سيتولى أمرهم وأمر معيشتهم ومستقبلهم، فضلا عن حاضرهم، فأغدقوا على هذا الـ "صنم" المصنوع من عسل الأحلام كل المواصفات الحسنة، ملبسين إياه النزاهة والمصداقية والمهنية والأمانة، وطبعا سلموه الجمل بما حمل، بدءا من فقرات يومياتهم من مأكل وملبس، الى مفردات وطنهم وثرواته، فكأنهم ينادون ساستهم بطيبة قلب وسذاجة ببيت الدارمي:

سلمتك الدلال وبتوته كلهن

ظلت بكيفك عاد تگطع تفلهن

   ولسوء حظ المواطن فقد كان المنادى عليه أصم أبكم أعمى، فراحت نداءاته أدراج ريح صرصر عاتية، عادت عليه بحجارة من سجيل، شملت حياته بأصغر مفرداتها وأكبرها. 

  إن "الصنمية" في اختيار القائد بسلم الوظائف الحكومية ليست وليدة اليوم -كما أسلفت- وهذا مالوحظ بشكل جلي بالممارسات الديمقراطية المتمثلة بالانتخابات الثلاثة الماضية، إذ كان السؤال المتكرر على الألسن جميعها هو: "إلمن راح انتخب؟!" في حين كان الأولى والأكثر جدوى هو السؤال: "مابرنامج فلان؟!" أو: "مامؤهلات علان؟!". لذا فقد حصد العراقيون جني سؤالهم الأول المحصور بالشخص وليس ببرنامجه وخططه وماسيقدمه للبلد. ومازاد الطين بلة، هو ولع ساستنا وتطبعهم بالأخذ ثم الأخذ ثم الأخذ، دون العطاء، بل حتى دون أوطأ المستويات في أداء مامنوط بهم من واجبات تجاه أبناء شعبهم. ومن كان ديدنه هذا فإن نتاجه حتما سيكون سيئا. وأول السيئات فايروس المحاصصة الذي أخذ يسري في جسد الدولة والحكومة، وثانيها المصالح الفئوية والحزبية التي يتم توزيع المهام والمناصب على ضوئها، ولايقف عد السيئات عند الثالثة والرابعة والعاشرة. كما إن الخلاف على حيثيات الإدارة وصنع القرار بات الوتيرة المتبعة والسياق الثابت عند ساستنا، بل هو في تصاعد يتزامن مع الضغوط التي يتعرض لها رؤساء المجالس الثلاث في البلد، والضغوط هذه عادة ما تفضي الى التسليم للأمر الواقع والاستسلام أمام "الضاغطين" وحينها يكون أقرب قرار الى الرئيس هو "اتباع التوافق السياسي"، وبهذا القرار يوضع المواطن تحت مطارق عدة، فيغدو أمره كما يقول مثلنا: "يخلص من الطاوه تتلگاه النار"، وهنا الطامة الكبرى الثانية، والعد هنا لايتوقف أيضا عند الثانية، إذ أن الطامات الكبرى في عراقنا الجديد كثيرة، ولها من يستحدثها ويستجدها في الساحة إن خلت منها.  

aliali6212g@gmail.com