أمثال نلوكها بألستنا ولا نعمل بها !

حِكَم وأمثال ، أحاديث شريفة ، ووصايا قرآنية تملأ تراثنا ، فلا توجد أمّة على الأرض ، لها هذا الكم الكبير من الأمثال التي نلوكها بألسنتنا ، لكنها لا تتجاوز طرف اللسان ، ولا تجد لها طريقا الى جوفنا لنهضمها ، لهذا  نتخلص منها كأنها علكة فقدت طعمها ! ، هذه الظاهرة هي أحد الأمراض الكثيرة ، والثقافات السقيمة التي تعصف بمجتمعنا ، ومن هذه الأمثال :
-العدلُ اساسَ المُلك .
قاعدة سياسية بمنتهى الرقي وهي من نوع السهل الممتنع ! ، لكننا لم نستخدمها يوما ! ، فواقعنا التاريخي يقول أن الملكَ أساسُ العدل ، ونحن لم نعتد على العدل ، والعدل في تاريخنا الليلي الطويل (كعمر الأموات) كما قال شاعرنا مظفر النواب ، ليس سوى ومضات قصيرة تتخلل ليلَنا الطويل كالشهب ! ، فقد قال شاعرنا المرحوم (بُلند الحيدري) : (العدل أساس الملك ، كذب ، كذب ، الملك أساس العدل ، أن تملك سكينا ، تملك حقك في قتلي) !...
-اذا كان الكلام من فضة ، فالسكوت من ذهب .
الجميع يسعى الى الذهب ، ولا ينفضون عنه إلا إذا تحوّل الى صفة للسكوت ! ، فنحن نميل إلى الكلام الكثير ، وهذه خصلة جيدة للتقارب الإجتماعي ، حتى يتحول الى سفسطة وفلسفة فارغة وسفاسف ، وشيئا فشيئا ، تفقد (فضة) الكلام بريقها وتتحول الى (تنك) صدئ ! ، لنخرج بعدها صفر اليدين ، بلا فضة أو ذهب ! ....
-الوقت كالسيف ، إن لم تقطعه قطعك ، الوقت من ذهب
ولم أجد من يحترم الوقت إلا نادرا جدا ، وغالبا ما تصل (نسبة الخطأ) الوقتية في قطع الموعد الى أيام ! ، والواقع أن العراقي في مأزق ، فلا يمكنه أن يقطع موعدا بتوقيت محدد ، لأن سيطرات قتل الوقت والزحامات المرورية الغير متوقعة بالمرصاد ، ولموظفنا ولعاملنا (فنّهم) الخاص بتبديد الوقت ، وللأسف الشديد ، أن أحدهم يتاجر حتى (بالصلاة) لتمضية وقت الدوام أو ساعات العمل ، فنراه يطيل في صلاته وكأنه مرجع ديني ، بينما (يخبنها) بسرعة في منزله ، هذا إن كان يصلّي أصلا ! ، هكذا نترك الوقت يقطعنا بدلا من أن نقطعه ! ....
-العفو عند المقدرة
نحن نفهم المغفرة والصفح على أنه ضعف ، وهدر للحق ، وإذا إمتلك أحدنا الغلبة ، فسنسخرها للأنتقام  ولن نكتفي حتى التجاوز ، مرة أخرى لم أجد في حياتي من هو في موقع القوة ، لكنا نراه يعفو عن الأساءة والزلّات بتواضع وبطيب خاطر وقناعة ذاتية ، قال تعالى (إدفع بالتي هي أحسن) ، وقال (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) ، وبقدر ما وضع الله الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ، والذين يدفعون السيئة بالحسنة بمنزلة رفيعة ، إلا أننا نجدهم في قرارة أنفسنا ، جبناء فرطوا بحقهم ! .
-رب العالمين أوصى بسابع جار
مثل شعبي جميل ، فيبدو أن أخلاقنا قد تمخضت عن أمثال راقية جدا ، لكن غالبيتنا لا يقيم وزنا لجاره ، الى درجة تفشي المثل (كومة حجار ولا هالجار) ، فلدي أكثر من جار ، يترك تل رمال البناء قرب منزله لسنين ، حتى تبعثره السيارات ، ويسد مجاري الشارع ، لكنه لا يلبث ، أن يضع تلا آخرا مكانه ! ، بل أن الأذى يأتي من جاري السابع الذي يغسل سيارته كل يوم ، دون أن يتعب نفسه ، بتتبع مآل هذه المياه ، وهي عتبة منزلي ! .
-مَن غشنا ليس مِنا
وإذا كان الرسول (ص) ، قد أطلق هذا التوبيخ التاريخي ضد بائع شعير ، فماذا عن فنون الغش والتدليس في كل مرافق حياتنا ، إبتداءً من مكيال (ابو النفط) ، مرورا ببائع (المخضر) الذي يخفي بضاعته المتعفنة تحت طبقة (تسر الناظرين) من خضاره ، إنتهاءً بسماسرة معارض السيارات والعقارات (الدلالين) ، أما السياسيين الكاذبين والفاسدين فحدّث ولا حرج ، بل لم نعد نميز الغش أصلا ، فقد يكون الغش أحيانا بكلام ، بتصرف ، بإيماءة ، بعمل نؤدّيه .
-الاعتراف بالخطأ فضيلة .
مرّة أخرى ، لم أشهد يوما أي شخص ، يتراجع عن فعل ما لأنه خطأ ، ويعتذر بوضوح وبالعلن قائلا (آسف ، هذا خطأي) ، بل إن الدارج في مجتمعاتنا ، أن تأخذه (العزة بالإثم) بدلا من ذلك ، ومرة أخرى ، أن الأعتراف بالخطأ لدينا ، مرادف للضعف والشخصية المهزوزة ! .
-رحم الله إمرؤاً عرف قدر نفسه.
عند إندماجك في المجتمع ، سترى الكثير من الشخصيات والأفراد الذين يدعون علمهم بكل شيء ، ولديهم الحلول السحرية لكل أزمة وكل آفة ، وهو في قرارة نفسه ، يرى نفسه أكبر ممن حوله ، وملما بكل شيء ، بل يعتقد نفسه أنه بالمكان الخطأ ، فيترفّع عن الآخرين ، يقاطعك وأنت تتحدث في موضوع من صلب إختصاصك ، ولا تملك إلا أن تتركه يسترسل بالحديث الفج المليء بالأخطاء والمغالطات ، وأنت بذلك قد أعطيته حقه وحجمه ، لأن الطامة الكبرى ، هو جهل الإنسان بمدى جهله ! ، حقا إن معرفة المرء لمقدار نفسه ، هو الحكمة بعينها ، أن الأنسان مهما كبر ، فهو صغير .
-خير الكلام ما قل ودل.
قليلون هم الذين يتطرقون الى صلب الموضوع مباشرة ، ويتكلم بوضوح وإختصار ، ما لم يسترسل بسيرته الذاتية وشيء من قصة حياته ومآثره ، ويتطرق لمواضيع لا دخل لها ، حتى يضيع الموضوع ! .
-لا تؤجل عمل اليوم الى الغد.
الكثير منا لا يحترم الوقت ، وطبيعته التأجيل ، وهذا نابع من الكسل الذي – والحق يُقال – إحدى طبائعنا ، وصار نهجا ، بغض النظر عن الضرر الناتج ، وعبارة (تعال باچر) ، ايقونة كلامية سوداء يتشدق بها موظفو الدولة ، لأنه يتثاقل عن أمر ما مهما كان بسيطا ، حتى لو سبب ذلك الضرر للمُراجع .
-المؤمن لا يُلدغ من جُحر مرتين.
إنه الداء الحقيقي الذي يعاني منه العراقيين ! ، يقابله المثل الغربي (غششتني مرة ، عار عليك ، غششتني مرتين ، عار عليّ) ، وما يحصل لنا اليوم ، مما لا نُحسد عليه أمام أمم الأرض ، إلا إحدى إفرازات إبتعادنا التام عن هذا الحديث – الحكمة ، فالعراقي سبق وأن لُدغ عشرات المرات ، من خلال انتخابه لنفس الشخصيات السياسية التي ملأت الدنيا فسادا وكذبا وكأنه لا يريد التعلم من أخطاءه ، وإن كان لموضوع الإنتخابات رأيي الخاص ، أن جميع الأنتخابات مزوّرة وتخضع لإرادة إقليمية ودولية ! .
-المسلم من سلم الناس من لسانه ويده.
يا له من حديث راقٍ ، وحكمة بالغة ، فهي التعريف الحقيقي للمسلم ، لكننا استخدمنا الدين للتطاول على الخلق والتسلّط والإقصاء ، بل القتل والتطهير الطائفي ! ، أما اللسان ، ففي مجالسنا ستجد القليل ممَن عف لسانه عن الغيبة والنفاق .
-وخير جليس في الزمان كتاب ..
أتعجب من عمق فلسفة (المتنبي) العظيم ، ورجاحة ورقي عقله ، وهو يطلق هذه العبارة منذ أكثر من 1000 عام ، حقا أن هذا الرجل قد سبق عصره قرون عديدة ، وأنا استنهضه من رمسه ، لأريه كيف فقد الكتاب هيبته ، كيف أن العربي (قريبه) ، لم يعد يأنس بالكتاب ، بل (بالنرگيلة) ، ومواقع الأنترنيت المدمّرة التي تغتال الوقت وتنمي العُقد وتغسل الأدمغة بالأوساخ ، ومجالسة رفاق الغيبة ! ، سأقول له ، أن العربي يقرأ في السنة 6 دقائق ، نظير (الأفرنجي) الذي يقرأ 300 ساعة في السنة !.
-أطلب العلم ولوفي الصين.
وهناك دعوات كثيرة ، خصوصا في مواقع التواصل ، تدعو لأفشاء الجهل ، والأبتعاد عن المدارس والجامعات بصيغة تحذير وبيّنتهم في ذلك ، أن البلد أكبر مقبرة للعلم والمواهب ، وأن طلبك للعلم لا طائل من وراءه ، وأنك لن ترى ثمرة جهودك ، أزاء دولة تجفوك ولا توظف الخريجين ، وأن نصف من لديهم الحل والعقد من السياسيين والبرلمانيين ، من حَمَلة الشهادات المزوّرة ، أو غير الرصينة !