ولادة الوحدة

 

هذه الأيام تمر علينا ذكرى ولادة الرسول الاكرم النبي محمد(  صلى الله عليه وآله )  ، كما هو مشهور عند علماء اهل السنة في الثاني عشر من ربيع الاول ، وعند الشيعة الامامية في السابع عشر من ربيع الاول ، ذكرى بزوغ ذلك النور الذي ملئ الاكوان بضياءه ، ونقى قلوب العالمين بصفاءه ، هذه الشخصية القوية التي استطاعت ان تهدم مواضع الشرك والطغيان وتنهي عصر الجاهلية والعصيان ، رغم كل المحاولات في اضعافه  وقتله وانهاء دعوته الا انها باءت بالفشل كما جاء في قوله تعالى { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } سورة التوبة(32).
لا نريد ان نخوض في عظمة هذه الشخصية الفذة ، ولا نريد ان نتحدث عن فضائلها وكراماتها على الامة الاسلامية وعلى العالم جمعاء ، لا شكَ ولا ريب  ان اقلامنا عاجزة وكلماتنا قاصرة امام تلك القامة الشامخة من العطاء والتضحيات والوفاء ... الخ.
لكن نريد ان نستلهم العبر من هذه الشخصية باعتبارها المحور التي تتمحور حوله الامة الاسلامية بكافة مذاهبها وفرقها ، لتأثيرها العاطفي والعقائدي ، ولنجعل منها القاسم المشترك الذي يمكن ان تبني لنا بيتاً عمادها المحبة والألفة والسلم الاهلي على اقل التقديرات ، ونترك الخلافات  العقائدية والاجتهادية الممتدة الى عشرات القرون دون الوصول فيها الى حل مشترك ، فلا توجد ضرورة قسوى ان نخوض اكثر من هذه المدة في هذه الخلافات العقائدية التي وصلت في بعض الاحيان الى مرحلة تكفير بعضنا الاخر ، وقد راح نتيجة هذا التكفير آلاف الارواح البريئة ومن جميع الطوائف تحت واعز ديني ، في حين ان الدين الاسلامي من الكتاب والسُنة تحرم دم المسلم ، كما في قوله تعالى : (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )) [ النساء : 93 ] ، وفي قول الرسول الاكرم النبي محمد صل الله عليه واله (( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلمٍ )).
لنغتنم الفرصة في هذه الايام المباركة ايام ذكرى ولادة نبي الامة ، واسبوع الوحدة كما يسميها البعض لنجعلها بداية الوحدة الاسلامية ، وحياتها السلمية الابدية ، ليكون لنا في رسول الله أسوة حسنة ، لنكون اسلاميين حقيقين لا متقنعين ، مع احتفاظ كل فرد في طائفته ومذهبه وخصوصيته ، وليكون الاحترام شعارنا ، لا بين الاسلاميين فحسب بل شعار جميع الاديان ، كما قال الامام علي عليه السلام: الناس صنفان  إما أخٌ لك في الدين او نظيرٌ لك  في الخلق ، هذه المبادئ الوحدوية السامية تضمن لنا السلم المجتمعي والمساواة في الحقوق والواجبات ، لو اخذت مأخذ الجد في العمل بها .