ترجمة: احمد الزبيدي
يعتقد الكثير من الناس أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي كان بمثابة نعمة للحركات الاجتماعية والسياسية الجماهيرية، وليس من الصعب أن نفهم سبب ذلك، فقد تزامن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك،و تويتر، وغيرهما من التقنيات الرقمية عند منتصف العقد الاول من هذا القرن (2005) مع الزيادة الهائلة في حجم الانتفاضات الشعبية خلال الفترة نفسها. سواء كان ذلك في تنظيم احتجاجات في مصر وإيران، اوملاحقة تحركات القوات الروسية في أوكرانيا، أو توفير المعلومات المناسبة للمتظاهرين في السودان، ومن المفترض ان وسائل التواصل الاجتماعي قدمت بذلك العون اللازم للناشطين
وهذا الافتراض معقول - وهناك بالفعل العديد من الطرق التي يمكن لهذه التقنيات الجديدة أن تساعد الناشطين بواسطتها. وربما الامر الأكثر وضوحاً، هو امكانية ان تُسهم وسائل التواصل الاجتماعي في التقليل من تكاليف الاتصال مع اعداد كبيرة من المحتجين ، كما فعل موقع تويتر خلال الاحتجاجات التي شهدتها اوكرانيا عام 2014. وكذلك فان منصات أخرى، مثل اليوتيوب، يمكن أن تساعد في نشر دروسا في كيفية القيام بالاحتجاجات على نحو فعال، مما يساعد حركات الاحتجاج على بناء القدرات التنظيمية. وعندما تحظر التجمعات البشرية، يمكن لمواقع مثل الفيسبوك خلق منابر جديدة للتواصل وتبادل المعلومات ، تكون من الصعوبة ايقافها. ويجادل المتفائلون ايضا بأن الانترنت يخلق مساحة للحوار في خضم الصراع، ويقدم خيارات سياسية لجمهور العامة والنخب على الرغم من الرقابة الحكومية. وبطبيعة الحال، فان شبكة الإنترنت تسمح للنشطاء بالتعبير عن ارائهم ، وهو أمر مهم خاصة عندما يتم التحكم في وسائل الإعلام الرئيسة من قبل الحكومة. ولكن على الرغم من هذا التفاؤل، فان ما يعرف أحياناً باسم "تكنولوجيا التحرير" لم تجعل الحركات المؤيدة للديمقراطية في الواقع، أكثر فعالية. صحيح أننا شهدنا ازدياداً في التحركات الجماهيرية منذ انتشار الاتصالات الرقمية اكثر من ذي قبل. ولكن ينبغي أن نلاحظ أن اساليب المقاومة اللاعنفية قد وجدت قبل فترة طويلة من اختراع الإنترنت. فقد استخدمها الزعيم غاندي على نطاق واسع في ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي وفي الواقع، أصبحت المقاومة اللاعنفية في الواقع أقل نجاحا مقارنة، بسنوات ما قبل اختراع الإنترنت. ففي حين نجح ما يقرب من 70 في المئة من حملات المقاومة المدنية خلال تسعينيات القرن العشرين فان 30 في المئة فقط منها قد نجح منذ عام 2010.فما السبب وراء ذلك؟ هناك عدد قليل من الأسباب المحتملة. أولا وكما يشير بعض الباحثين في مجال العلوم السياسبة ان الحكومات هي ببساطة تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل افضل من الناشطين. وعلى الرغم من الوعود السابقة في عدم الكشف عن هوية مستخدمي شبكة الإنترنت، فان المراقبة الحكومية جعلت من خصوصية الإنترنت شيئا من الماضي. فالحكومة الروسية، على سبيل المثال، تسللت بنجاح الى الاتصالات بين النشطاء في محاولة لاستباق تحركاتهم وسحق حتى أصغر الاحتجاجات حجما. ومثل هذه الممارسات شائعة في البلدان الديمقراطية بشكل كبير. ففي الولايات المتحدة، قام برنامج وكالة الأمن القومي بالتنصت بدون إذن قضائي، و تعاون موقع ياهو مع حكومة الولايات المتحدة في تجميع المعلومات عن مستخدميه ، وتلك ربما كانت مجرد البداية. وتشير التقارير الأخيرة إلى أن إدارات الشرطة المحلية في الولايات المتحدة تقوم بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي لتجميع البيانات عن السكان. وبينما كانت الحكومات في الماضي تعمد إلى تخصيص موارد كبيرة للكشف عن المنشقين والمعارضين ، فان المناخ الرقمي السائد اليوم يشجع الناس أن يعلنوا بفخر عن معتقداتهم وهوياتهم السياسية والاجتماعية والدينية – وهذه البيانات تمكن السلطات الحكومية من استهدافهم بشكل أكثر فعالية. وبالطبع، هناك طرق لحماية خصوصيات المستخدمين، ولكن القليل من هذه التقنيات سوف يصمد امام خصم متمكن. ثانيا ان استخدام الحركات الشعبية لوسائل التواصل الاجتماعي يقلل فرص التواصل المباشر. فالنشطاء على الفيسبوك وغيره من المواقع يهتمون بقضية معينة لفترة قصيرة من الوقت، ولكنهم غالبا ما يفشلون في تحشيد مشاركة واسعة في الكفاح ضد الحكومات. فبناء الثقة في المجتمعات المهمشة أوبين المظلومين يأخذ وقتا وجهدا، ويستلزم نشاطا اجتماعيا فعالا، وهذا يتطلب الاتصال وجهاً لوجه بشكل روتيني وعلى مدى فترة طويلة من الزمن . وعندما تقوم هذه الحركات بتعبئة الناس دون أن تحصل على هذه الثقة والوحدة الداخلية، فإنها قد تكون أكثر عرضة للتوقف بسبب الضغوط. وكذلك فان النجاح في احداث تغيير حقيقي يتطلب المزيد من التفاني والتضحية. ثالثا يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي ان يكون لها تأثيرٌ يعيق عمل الناشطين من خلال تمكين الجهات المسلحة او الحكومية بتهديدهم أو حتى تنسيق اعمال العنف المباشر ضدهم . وعلى سبيل المثال، في خضم الانتفاضة الليبية في عام 2011، استخدم نظام معمر القذافي شبكة الهاتف الخليوي في البلاد، لإرسال الرسائل النصية التي تأمر الناس للذهاب إلى العمل. وكان تحذيره تقشعر له الأبدان! وكان يشدد على ان الحكومة تراقبهم - وأن عدم الامتثال لأوامرها ستكون له عواقب وخيمة. وقد اشار باحثون في العلوم السياسية أن زيادة اعداد الهواتف المحمولة في أفريقيا كانت له علاقة مع زيادة في اعمال العنف. وعلى العكس من ذلك، فإذا قام الناشطون باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الحديث عن العنف الذي تعرضوا له على يــــد قوات الأمن، فقد يكون ذلك سبباً لعزوف المحتجين عن المشاركة في التظاهرات في اليوم التالي. وبالتالي يمكن لمثل هذه التقارير ان تؤدي الى نتائج غير مقصودة. وبدلا من تجميع الحشود الغاضبة، فإنها قد تؤدي الى عدم اشتراك الكثيرين ممن لا يريدون المخاطرة، ويتركون النشطاء الفاعلين يواجهون المخاطر لوحدهم . وهذا يقودنا في النهاية الى العائق الأخير: وهو التضليل الذي يمكن أن ينتشر في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أسرع من انتشار المعلومات الموثوقة.و التقارير عن قيام قراصنة كومبيوتر من روسيا بالتأثير على الانتخابات الأمريكية الأخيرة هي خير مثال على ذلك. ويتفاقم التضليل بسبب ميل الناس لاختيار مصادر الأخبار التي تؤكد معتقداتهم السابقة. وتزداد في وسائل التواصل الاجتماعي المواقع التي تعمل على احداث المزيد من الانقسام بين الناس بدلا من توحيدهم وراء قضية مشتركة. حتى أولئك الذين هم حسن النية يقضون في استقاء المعلومات من مصادر الأخبار الموثوقة يمكن أن يتسببوا عن غير قصد في عدد من المشاكل. فيمكن لرؤية سقوط طاغية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ان تشجع المعارضين في بلد مجاور على القيام بتحركات احتجاجية .و في الواقع، قد يحاولون قبل الأوان "باستخدام" تكتيكات وأساليب يرون انها استخدمت بنجاح في أماكن أخرى ولكنها لا تلائم أوضاعهم – مما ينتج عنها عواقب وخيمة. ونظرة سريعة لما حدث في ليبيا أو سوريا تسمح لنا بمعرفة خطورة هذا التأثير. وكان من السهل للناشطين في تلك البلدان مشاهدة احداث الربيع العربي التي كانت تتكشف في تونس ومصر ليستنتجوا بعدها أنه إذا اجتمعت جماهير الشعب في الساحات العامة، فإنها أيضا قد تطيح بطغاة بلدانهم في غضون أيام. وهذا الاستنتاج أهمل التعبئة التي سبقت الثورات التونسية والمصرية لسنوات طويلة وجعلت الليبيين والسوريين يثقون بشكل مبالغ به في قدرة انتفاضاتهم العفوية بأن تنجح من دون استخدام العنف. عن مجلة فورن بوليسي
|