المعقدون في بلادي |
أخطر أنواع الناس، هم المصابون بالعقد، وأبسط أنواع العقد تؤدي الى إنتهاج الصراع كوسيلة لتحقيق غايات معينة، والصراع بكل مستوياته يتحول الى بيئة خصبة لتوليد التناحر والمعاناة والمآسي، وإنتشاره يعني تحوله الى واحد من أكبر وأخطر التحديات التي تواجه المجتمع على الإطلاق، وبالذات عند إنجرار الكثيرين نحوه.
في أحايين كثيرة، يجلس الفرقاء المتخاصمون على طاولات، لحل العقد أو لعقد إتفاقات وتفاهمات، والتوقيع على تعهدات ووثائق شرف، تحرم الترويج للصراع أو الغور في متاهاته. ولكن في المقابل يبذل الممتهنون للصراع (المعقدون) جهوداً متناقضة بهدف ترسيخ المخاوف في الأذهان، وجعل الصراع ضرورة أولوية، وعقد العزم على خوضه مهما كانت النتيجة.
الصراعات بين الأحزاب تتعلق بالسعي من أجل الهيمنة وترسيخ المكانة والحصول على منافع ومكاسب سياسية ومناطقية وإنتخابية وأحياناً مالية وإقتصادية، لذلك بعض الأحزاب تجد نفسها، إن لم تتحرك بحذر شديد، متحالفة مع أحزاب وقوى مختلفة معها في غالبية القضايا ولها مآرب وأجندات متناقضة، ومتورطة في نزاعات خطرة وصراعات عبثية، وعند ذاك تجد نفسها ملزمة بدعمها ومساعدتها على حساب موقعها ومؤيديها.
الصراعات بين الأحزاب لاتختلف كثيراً عن الصراعات بين الأشخاص، فالذي لايتمكن بمفرده من تولي مهمة إضعاف خصمه والتأثير عليه، ولايريد أن ينبذ خلافاته ويلجأ الى الحوار والتصالح معه، ليطوي صفحات الماضي الأليم، أو بالأحرى لايستطيع نسيان عداواته وأحقاده الشخصية، يستمر في أخطائه ويحاول أن ينشىء تحالفات إنتهازية مؤقتة بحكم الأمر الواقع مع آخرين لا يرتبط بهم بوشائج، ويعقد صفقات ضيقة مع أناس لاعلاقة لهم بما يصبو اليه، ويتجلى هذا الأمر بوضوح في الممارسات الموجهة نحو الخصم أو الجهة المقصودة، وعندما لاتلوح الآمال في الأفق ولا تنقشع الغيوم، يفقد التوازن وتنتشر الإختلالات ويسهل الإنزلاق نحو الفوضى والتعجرف، وأثناء الفوضى يصعب إحتواء الحراك الذي سيتحول الى عراك، وعندها تزداد المخاطر. وفي نهاية المطاف، ودون تحقيق النتيجة المرجوة، تدور رحى الصراعات داخل العقول دون حسم، وتتحول العقول الى عقول عنيفة تحاول حسم الأمور بالقوة والعنف.
أساس الصراع يكمن في (أنا) الحق، والمدافع عن حقوق الاخرين، وما عداي هم فاسدون وخونة يمكن أن نصفهم بأبشع صفات الإنحراف، صفات تولد الكره والبغضاء داخل نفوس الناس، وتزرع حالة من الإنقسام السياسي والمجتمعي، وهذا ال (أنا) يسمح لصاحبه أن يشرعن لنفسه ما يريد ويرغب ويشتهي. وفي تلك الحالة فإن الإعتدال في مواجهته أو تفكيكه قد لا يكون كافياً، لأن الفكر الهدام النابع من رؤية خاطئة وقراءة شيطانية للأمور، صنع لنفسه تحصينات ملوثة لعقول البسطاء ومتناسبة مع إحتياجاتهم ومتفقة مع أفكارهم. لذلك يحتاج الى جهود قوية لإلحاق الهزيمة به وتفكيكه..
ماذكرته أعلاه بشأن الأحزاب والسياسيين، ينطبق على بعض الكتاب وبعض الصحفيين وجميع الذين ولدوا من أجل التصارع وإنتهاك الحقوق وعاشوا دون أن يتعلموا ألاعيب السياسة وفنون الصحافة والإعلام، يبحثون عن المشكلات، بل يختلقونها لكي يصبحوا جزءاً من حلها، لكنهم سيموتون دون أن يحققوا غاياتهم وما يصبون اليه..
|