سوداوية مجتمع
يتعرض المجتمع العراقي الى تيار جارف ومستمر من الطاقة السلبية ناتج لما يلاقيه من ازمات مستمرة منذ وقت طويل , فهو محاصر من جهة حروب تنهش ابنائه (ولا يبدو بشكل واضح متى ستنتهي هذه الحروب) فقد صار طبيعيا اننا ما ان ننتهي من حرب حتى ندخل في اخرى , ومن جهة ثانية هناك الفساد الحكومي الصادر عن طغمة تسلقت وفي غفلة من هذا المجتمع حتى باتت تتحكم في مقدرات الدولة ومؤسساتها.
هذه الطاقة السلبية المستمرة ولّدت بين الناس ما يُعرف بـ(السوداوية) فهي شعور ينم عن الحزن يكمن في عٌمق المشاعر يكون التشاؤم صبغة شاملة له ومصدر دائم في الحياة اليومية , فكل ما يحيط يؤسس لها , نشرات الاخبار , البرامج السياسية ذات المناكفات المستمرة والتي تشبه صراع الديَكة , روتين الدوائر الحكومية ذات الاحتكاك المباشر مع الناس .. الخ , فأنتجت لنا شعوراً لا ارادياً باللامبالاة والاستسلام .
من المظاهر التي تركت السوداوية اثاراً عليها بين المجتمع مسألةُ نقد وتسقيط كل ما او من يتحرك بالضد منها , من يريد ان يصنع نوعا من بهجة الحياة وسط هذا الخراب المستمر , ان الدعوة الى فعاليات تحاول الخروج عن اطار الجمود غالبا ما تواجه اما بالصمت او الاستنكار او لصقها بتهمة الخروج على الاداب والاخلاق العامة , تلك الاتهامات التي اصبحت كالسهام الجاهزة لرميها على من يريد التحليق خارج السرب .
ان نشاطات معينة واساسية مثل الدعوة الى عدم رمي الازبال في الشوارع او الدعوة الى تشجير المناطق السكنية مثلاً اصبحت تقُابل بعدم الاهتمام والسُخرية بعض الاحيان.
بسبب ذلك , اضاع المجتمع الفرق ما بين انتقاد او محاربة مظاهر قد تهدد كيانه العُرفي والاخلاقي وبين مظاهر او فعاليات تعمل على رُقيِّه وتقدمه فأصبحت الاخيرة دائما وبعد الانتقاد والتسقيط تُذيل بعبارة (أحنا بيا حال؟) او (بطرانين)! .
ان السوداوية تنتج وتنتشر بين الشعوب عندما تكون مقومات استمرارها موجودة وانه ليس في الافق ما يبدو انها ستنتهي فالأمر صراع , ولذلك الحل الوحيد لأشاعة روح التفاؤل هو الاستمرار بمقاومة السلبية والسير عكس التيار واستنهاض الهمم وأشعار من على هذه الارض انه ورغم كل ما يمرّون به من ويلات ومصائب يوجد هناك ما يدعى بالأمل وان الحياة تبقى اقوى من الموت وسوداويته .