الخمس الشيعي وإشكال الشرعيّة!!

 

العراق تايمز: كتب ميثاق العسر

ثمّة مشكلة كبيرة واجهت فقهاء الشيعة في كيفيّة ادراج الخمس الشيعي المتداول والمعروف تحت عموم الآية: "41" من سورة الأنفال والتي أوجبت الخمس في الغنائم؛ إذ إنّ من الواضح والمعروف والمشهور إنّ الغنيمة التي أشارت لها هذه الآية مختصّة بالغنائم التي يحصل عليها المسلمون في معاركهم وحروبهم لا ما يغنمه الإنسان من أرباح وتجارات ومكاسب والتي تترافق عادة مع تعبٍ ومشقّةٍ وعناء، كما لم يُعرف هذا الّلون من الخمس لا في زمن الرسول "ص" ولا في زمن الخلفاء والأئمّة من بعده حتّى عصر الصادقين "ع"، من هنا اضطر فقهاء الشيعة لسلوك طريقين في سبيل إثبات خمسهم قرآنيّاً:


#الطريق الأوّل: من خلال التمسّك بالعموم الّلغوي لمفردة الغنيمة، فقالوا: إنّ الغنيمة عند العرب لا تختصّ بغنائم دار الحرب، بل تشمل عموم الأرباح والمكاسب الحاصلة من دون مشقّة وتعب. وهذا الطريق مبتلى باشكالات كثيرة لا نجد المجال مناسباً لذكرها، كما إنّها خارجة عن موضوع البحث.


#الطريق الثّاني: من خلال التمسّك ببعض الروايات التي فسّرت الغنيمة بنحو تكون شاملة لأرباح المكاسب والفوائد...ومن خلال هذين الطّريقين قرّروا إنّ الخمس الشيعي المعروف داخل في عموم "ما غنمتم" الوارد في آية الخمس المعروفة.


#وفي سياق الطريق الثّاني ساقتصر على ذكر أهّم رواية استند إليها فقهاء الشيعة في هذا المجال لنرى حقيقة مضمونها، أعني الرواية ذات السند الأعلائيّ الصحيح والمعروفة عندهم بمكاتبة علي بن مهزيار الوكيل والثقة المعروف والتي رواها عن الإمام الجّواد "ع"، لكن هذه الرواية مبتلاة بإشكالات مضمونيّة كثيرة أجبرت بعض الفقهاء على التوقّف في قبولها، وحاول الأغلب توجيهها وتأويلها بطريقة تعسّفية غريبة؛ ليأخذوا منها الجزء الذي ينفعهم في تفسير الغنيمة القرآنيّة لتكون شاملة للخمس الشيعي، ويحصرون بقيّة أجزائها المشكلة بزمن الجّواد "ع" دون من يليه.


#وأمّا الاشكالات المضمونيّة في هذه الرواية أو المكاتبة فسنقتصر على ذكر بعضها وهي:


1ـ إنّ الرواية أو المكاتبة توجب على الشيعة دفع خمس الذّهب والفضّة الّذي عندهم، مع إنّه لا يجب فيهما إلّا الزكاة بالإجماع.


2ـ إنّ الرواية أو المكاتبة توجب على الشيعة أن يدفعوا خمس المال الذي يأخذونه ولا يجدون له صاحب، مع إنّ المشهور والمعروف بين الفقهاء هو لزوم التصدّق به؛ باعتباره لا يدخل في ملكيّة من وجده من الأساس أصلاً.


3ـ إن المعروف والمشهور عن الأئمّة "ع" كونهم خزنة العلم وحفظة الشرع يحكمون بما أودعه الرسول "ص" عندهم، فكيف يعبّر الإمام في الرواية أو المكاتبة قائلاً: "أوجبت في سنتي، ولم أوجب عليهم في كلّ عام"، وهي عبارات تدلّ على إنّه يحكم بما شاء واختار؟! خصوصاً وإن مشهور فقهاء الشيعة يرون إن الخمس الشيعي ليس حكماً ولائيّاً صدر من الأئمّة المتوسّطين والمتأخّرين لكي تصحّ مثل هذه الاستخدامات، بل ينصّون على كونه حكماً إلهيّاً قرآنيّاً على على حدّ وجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرهما من الأحكام الثّابتة.


#هذا والغريب إنّ رواي هذه الرواية ذات الإشكالات الكثيرة قد ذكر بأنّه طلب من الإمام الجّواد "ع" أن يوسّع عليه ويحلّ له ما في يده من أموال، فوافق الإمام على طلبه، قائلاً له حسب روايته: "وسّع الله عليك، ولمن سألت به التوسعة في أهلك، ولأهل بيتك، ولك يا علي عندي من أكبر التوسعة، وأنا أسأل اللّه أن يصحبك بالعافية ويقدمك على العافية ويسترك بالعافية انه سميع الدعاء» [الكشّي: ج2، ص826]، #ولست أدري: هل كانت هذه الأموال التي أحلّها له الإمام حسب المكاتبة من أخماس الذّهب والفضّة ومجهول المالك؟! أم هي من أرباح المكاسب والتّجارات التي كان يدفعها الشيعة إليه باعتباره وكيلاً للإمام؟!


#أقول: كلّ هذا يؤكّد على ضرورة إعادة النظر في تفسير حقيقة الخمس الشيعي وطبيعة وجوبه، بل وضرورة الابتعاد عن ظاهرة نحت الأدلّة الفقهيّة التي يُصار إليها بعد الوقوع عادة كما هو ظاهر ومعروف في الفقه الشيعي.
الرواية جاءت بهذا السند في كتاب التّهذيب للشيخ الطوّسي:

عن محمد بن الحسن الصّفّار؛ عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري وعبد الله بن محمد بن عيسى الأشعري؛ عن علي بن مهزيار الأهوازي، والرواية تحمل اضطرابات كثيرة، فمن هو الذي قرأ كتاب أبي جعفر في طريق مكّة، فهل هو علي بن مهزيار أم شخص آخر، وكيف كتب الإمام الكتاب من بلاط المعتصم وهو في آخر أيّامه المباركة، وهل مات الإمام بعد هذا التاريخ أم قبل هذا التّاريخ كما ينقل بعض المؤرّخين، ومتى وصلت الأموال إلى الشيعة من المعركة مع بابك الخرّمي، ومتى قضي على ثورة بابك...؟! أسئلة متعدّدة ولكن سنترككم مع نصّها:

«كتب إليه أبو جعفر وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة، قال: "الذي أوجبت في سنتي هذه وهي سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار، وسأفسر لك بعضه إن شاء الله:

#إنّ مواليّ أسأل اللّه صلاحهم أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس، قال اللّه تعالى:
(خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ وَأَنَّ اللّٰهَ هُوَ التَّوّٰابُ الرَّحِيمُ، وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّٰهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَسَتُرَدُّونَ إِلىٰ عٰالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهٰادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".


#ولم أوجب عليهم‌ ذلك في كلّ عام، #ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها اللّه عليهم، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه من الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسّر لك أمرها، تخفيفاً منّي عن موالي، ومناً منّي عليهم، لما يغتال السلطان من أموالهم، ولما ينوبهم في ذاتهم.


#فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال اللّه تعالى:

وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبىٰ وَالْيَتٰامىٰ وَالْمَسٰاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ؛ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَمٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ، وَاللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ".


#والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، #ومثل مال يوجد لا يعرف له صاحب، ومن ضرب ما صار إلى مواليّ من أموال الخرمية [نسبة إلى بابك الخُرّمي] الفسقة، فقد عرفت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قومٍ من مواليّ، فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصل إلى #وكيلي، ومن كان نائياً بعيد الشقة فليتعّمد لإيصاله ولو بعد حين؛ فإنّ نية المؤمن خير من عمله.


فأمّا الذي أوجب من الضياع والغلّات فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤنته، ومن كان ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك» [تهذيب الأحكام: ج4، ص141].

أمّا الجزء الذي استند إليه الفقهاء في إثبات عموم الغنيمة القرآنيّة فهو ما روي فيها عن الإمام القول: «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال تعالى: وأعلموا أن ما غنمتم... »، وبذلك فسّر الفقهاء ما غنمتم في الآية بنحو يكون شاملاً لجميع الفوائد والأرباح.