حوار صامت9

سؤال _ هل الإشكالية الإنسانية محصورة بإنحراف العقل وحده؟ أم أن قوة النفس البشرية التي تطغي عليها حدة الأنا المتضخمة تشارك في خلق وصنع إشكالية المأساة البشرية الوجودية؟
أنا _ يبقى العقل هو المدان الأول بدون مازع لحقيقة منطقية أن الإنسان صحيح أنه كائن حساس ومنفعل بأحاسيسه وأن الأنا الذاتية لها حساباتها الخاصة عن فكرة العقل عما يدور خارجا وداخلا ولكن في النهاية السلوكيات الإرادية وحتى رهط كبير من السلوكيات اللا إرادية لا يمكنها أن تمر للخارج دون إرادة العقل، فالعقل الضعيف الغير قادر على فرض قانونه العام هو أول المدانين والمدان الأكبر والأعظم هو الذي يقرر بإرادة حرة وهو يعلم النتائج والعواقب المترتبة على قراره، فمن تعقل ملك زمام الأمور ومن تعقل لا يمكن أن يمنح للنفس صك براءتها مهما كانت متعجرفة وقوية.
سؤال _ هل نشهد عودة للصراع الفكري القديم مرة أخرى بين أهل العقل وأهل النقل؟
أنا _ لا صراع أصلا ولا يمكن أن يتجدد لأن العقل سجل أنتصاره منذ أن ولد الوعي لأول مرة، فلا النقل بمفهومه الكلاسيكي ولا حتى المدرسة التجريبية قد تمكنت من هزم العقل ودوره المحورية في صناعة الوعي وأنتاج المعرفة وقيادة التحولات الزماكانية التاريخية والواقعية، كل الصراع كان مجرد لعبة تدوير اللمات واللعب على المفاهيم، ولولا العقل لم يتمكن الإنسان حتى من الخروج من دائرة البهيمة الطبيعية ولبقي ليومنا هذا فصيل حيواني يمارسها كما تمارس الدواجن والبهائم حياتها ولو ارسل لهم رب السماء ملايين النسخ من سرديات وقصص النقل.
سؤال _ تعقيبا على الجواب السابق هل الإنسان واحد في مظهر متعدد؟ أم متعدد في مظهر واحد؟
أنا _ الإنسان كائن واحد بخط الشروع والتعدد ظاهرة فقط لاحقة تنشأ من لحظة التمهيد والأعداد وأنتهاء بتفرق النتائج، ولو كان الإنسان متعدد كالحيوان مثلا لأستوجب أن يفرق بين أجناسه بالرغم من أن المصطلحين يعنيان صفة واحدة عامة، الحيوان والنبات والجماد والإنسان تعني مسمى لجنس من الخلق يشترك بصفة عامة يتعدد بالتفاصيل، إلا الإنسان يبقى هو الإنسان ولا يتمظهر بصفات منفردة غيره فكل الصفات اللاحقة التي تلحق به طارئة كالجنون والعته والسفاهة يمكن ان يتخلص منها الإنسان بالعلاج أو بالتدبر ، أما لو جئنا للحيوان فعندما نشير لكائن ما بأنه حيون لا يمكن أن ندرك هويته على إنفراد إلا بالتخصيص مثلا نقول حيوان زاحف من فصيلة الثديات ومن عائلة التماسيح الأفريقية مثلا، بينما يكفي أن نقول عن الإنسان إنسان لنحدد هويته على وجه التفصيل.
سؤال _ لننتقل إلى مدار ثاني وهو موضوع الحرية والعقل الإنساني، هل فعلا الحرية هي التي تمنح العقل القدرة على الخلق أم أن شعور الإنسان بالسلام هو الذي يجعله حرا؟ السؤال بمعنى أخر أيهما الأولى السلام الإنساني أم الحرية في الوجود؟
أنا _ الحقية أن السلام الإنساني ليس منفصلا عن الحرية بل هو من معطيات ونتائج الإيمان بالحرية، عندما يكون العقل حرا في رسم عالمه الخاص والعالم فإن أول ما يبسطه داخلا السلام العقلي ويفرزه للخارج كنتيجة حتمية لدوره في صنع الوجود، العقل اللا متحرر لا يمكنه أن يفهم السلام، والعقل اللا مسالم لا يمكنه تقدير الحرية والإيمان بها، السلام والحرية صنوان لا يفترقان.
سؤال _ كيف يمكن إذا الجمع بين السلام والحرية والدين بأعتباره فرض فوقي قد يتقاطع معهما في نقاط كثيرة؟
أنا _ الدين الذي لا يؤمن بالحرية والسلام ليس دينا بمعنى أنه فكر يدعو للخير والفضيلة، والحرية إذا لم تكن محددة المعالم والأهداف والمنهج ستتحول إلى فوضى وأضطراب، والسلام إذا لم يكن نبيلا بمعنى أنه يمنح الحياة كل معاني الجمال لا يمكنه أن يكون سلاما حقيقيا فهو أقرب للجمود من مفهوم السلام، لو جمعنا هذه الأفكار في بوتقة واحدة وقدمنها على أنها منظومة أساسية ترتبط كل حلقة منها بغيرها برباط التكامل سنكون أمام فهم أخر، لنقل أن الجانب الأخلاقي من الدين هو من يدعم الحرية والسلام والجانب العبادي منه يتحول إلى منظم إصلاحي دافع للسلوك الإيجابي، هذا طبعا إذا تكلمنا بتجر أما الواقع وبما فيه التدخل البشري في فهم الدين، سيتحول الأخير إلى قيود ومعتقلات وخطوط حمر ضد الحرية وضد السلام ويعتقل الإنسان في داخلها ليتحول من عابد إلى عبد.
سؤال _ لكن واقع الحال والتجربة التاريخية مع الأديان تقول أن تدل الدين كان سلبيا دائما ضد الحرية وضد السلام الإنساني حينما يؤطر الإنسان بمجموعة من القيود والحدود والمفاهيم مثل الجهاد والصوم مثلا، هل هذه الواجبات الأفتراضية مثلا والتي هي جزء من العقائد الدينية الأصلية يمكن أن تساهم في تمتين فكرة السلام والحرية مثلا؟
أنا _ على المستوى العلمي كان لعدم فهم المتطلبات المفترضة في الدين كواجبات في ذمة المؤمن سببا مهما في نشوء فكرة تناقض الدين مع الحرية والسلام، ولو رجعنا أيضا للواقع العملي السلام والحرية ليست أهداف مجردة من قواعد وأسس تقام عليها، مثلا السلام إن لم يكن محمي بموانع من الأنتهاك ستجد الكثير ممن سيستهدفه نتيجة عوامل شتى، والحرية إن لم تكن عقلانية بحدودها وطبيعتها ستشكل تزاحم غير منضبط بين فكرة الأفراد عنها، الجهاد الذي ورد في الدين ومن خلال قراءة حقيقية قصدية هو من وسائل حماية السلام وبالذات ما يعرف بجهاد الدفع والذي هو الجهاد الوحيد الذي تكلم عنه الدين، أما جهاد الغزو أو ما يسمى بالفتوحات فليس للدين فكرة عنه بل هو تحقيق لميول ذاتية تدفعها الأنا المتضخمة ومدانة أصلا من رب الدين، بالنسبة للصوم وهو واحد من الرياضات النفسية العقلية الهدف منها كبح جماح الأنا وتعزيز القدرة على فهم الحرية وتقدير قيمة السلام الذاتي، حتى العلم يمكنه أن يعط تفسيرا معقولا ومقبولا لا يتناقض مع مفاهيم الحرية والسلام.