الأحزاب البرامجية ركيزة الدولة المدنية |
بدهي أن يكون لكل شيء ركيزة ،حتى الجبال الراسيات لها ركائز ،وركيزة الدولة المدنية القوية هي الأحزاب البرامجية ، وبدون هذه الأحزاب لن نصل إلى مبتغانا حتى لو نفخنا في الكير دهرا كاملا، لأننا لا نضع البذرة في التربة الصالحة ، بل ننثرها في الهواء فتضيع وربما إلتقطها طير جائع أو دودة تبحث عن رزقها ، أما في حال هيأنا الأجواء المناسبة وبدأنا بخلق الأحزاب البرامجية ،فإن دولتنا المدنية ستكون مصانة ومحمية ،وربما يقول قائل :أليس لدينا 57 حزبا وماكينة التفريخ لا تكل ولا تمل؟ أقول نعم لدينا هذا الكم من الأحزاب وفي غالبيتها ورقية ترتكز على الركيزة العائلية وتعتمد نظام الشيخة ، والتوريث ، وأمين عام الحزب لا يتزحزح عن موقعه إلا عن طريق عزرائيل،وقد فاجأنا أمين عام حزب الحياة السابق السيد ظاهر عمرو بتخليه عن منصب الأمين العام لحزب الحياة وسلم الراية للدكتور عبد الفتاح الكيلاني ،وتمنينا لو أن أمين عام حزب آخر كرر المشهد لتعميق فرحتنا ولكن رسالة السيد ظاهر عمرو لم تصل ويبدو انها لن تصل إلى احد. نصيحة بالمجان أقدمها للمعنيين بالدولة المدنية وهي أننا في حال كنا جادين بإخراج الدولة المدنية معافاة سليمة وغير مشوهة إلى النور ، ورغبنا في إطالة عمرها ،فإن الحل الوحيد أمامنا هو إصدار توجيه واجب التنفيذ لإحداث عملية إندماج حزبية ليصبح لدينا حزبان كبيران رئيسيا برامجيان وحولهما بضعة أحزاب لها وزنها أيضا على الساحة ،ونزع "فيش"الكهرباء عن ماكينة التفريخ حتى تتوقف عن تفريخ الأحزاب الوهمية الهلامية ، وأن تبدأ الحياة السياسية البرلمانية من خلال إجراء إنتخابات برلمانية برامجية ،وإلا فإننا غير جادين في لعبتنا وعلينا التوقف عن إيهام انفسنا بأننا راغبون بالدولة المدنية. هناك الكثير مما هو مطلوب منا فعله لنبرهن على جديتنا في إخراج دولة مدنية حقيقية على الأرض وليس على الورق، ومن هذه الخطوات رفع الحظر المفروض على الشباب للإنضمام للأحزاب البرامجية ،وجعل الجامعات ميدانا للتعبئة الفكرية بدلا من كونها مسرحا لعرض الأزياء ،لنضمن تخريج أفواج من أبنائنا ، قادرين على العطاء ومتميزين في الأداء والإبداع والقيادة ، بدلا من تخريج أفواج من أشباه الأميين الذين ينضمون لصفوف العاطلين عن العمل ، علما أننا أصبحنا نعتمد في كل أمور حياتنا على العمالة الوافدة ، رغم الفقر المستفحل في مجتمعنا. ما يجري عندنا هو إختراق أشر لدستورنا وعن سابق إصرار وعن عمد من قبلنا ،لأننا نمنع الشباب من الإنتماء للأحزاب ، ونعاقب من يتحزبون بحرمانهم من الإستقرار والعمل بعد التخرج، علما ان دستورنا يؤكد حرية التعبير والرأي والعيش ويضمن كرامة الجميع ، وهناك سؤال يفرض نفسه بقوة وهو :ما دمنا نحرم على شبابنا الدخول في الأحزاب ، فلماذا نمنحها ترخيصا وندعمها ماليا ؟ ويبدو أن هناك من يستهوي تعطيل الدستور وخلق جيل سهل الإنقياد وفارغ المضمون ،ومع ذلك نقول على الدوام أننا مجتمع فتي ونفتخر بشبابنا . إن أفضل حزب عندنا هو ما يطلق عليه حزب الكنبة أو حزب الأغلبية الصامتة ، وهذا برأيي ليس مبعث فخر لنا ، بل هو إهانة كبيرة ،لأن هذا القول يعني أن الغالبية عندنا معطلة القوة والإرادة ، ولا أدري كيف ينهض مجتمع وأغلبيته تتخذ من الصمت حرفتها الأبدية ؟ وهناك حزب آخر هو حزب العاطلين عن العمل والمهمشين الذين لا سند لهم ولا مرجعية متنفذة تفتح لهم الأبواب المغلقة ، ومع ذلك نجد من يتحدث عن المواطنة ،ويحلو له التغني بحب الوطن ،وهو في داخل نفسه يشكك حتى بولائه هو شخصيا للوطن. |