بغداد تفك أصفادها

 

    ابتشرت أسارير البغداديين قبل أيام بإجراء فيه متنفس عن الهموم المكبوتة داخلهم، ذاك الإجراء هو رفع عدد من السيطرات من شوارع مدينتهم، الأمر الذي يعيد الى الأذهان ماكانوا يعانونه بسبب الإرهابيين الذين كانت عملياتهم لاتستثني شارعا او منطقة في بغداد، وهم -الإرهابيون- في حقيقة الأمر أدوات ليس أكثر، وهناك من خرّجهم واستعبدهم لأداء مهماته، وهناك أيضا من احتضنهم ومولهم وأعدهم الإعداد الكامل لهذه المهام. ومفردة الحضن في اللغة هو منطقة الصدر والعَضُدان وما بينهما، ومنه الاحتضان، وهو احتمالك الشيء وجعله في حِضنك كما تحتضِن المرأَة ولدها فتحمله في أَحد شِقَّيها. وبهذا لايألو الحاضن جهدا في حماية المحضون بكل مايمتلكه من وسائل لضمان سلامته. وهناك مفردة أخرى صارت توأم مفردة الحضن منذ أكثر من عقد من السنوات في عراقنا الجديد، تلك هي مفردة المنبع. ويكثر استخدام هاتين المفردتين عادة بعد هجومات يقوم بها (ربيبو) تلك الحاضنات، بأساليب تأخذ بعض الأحيان وجها جديدا، و (موضة) حديثة وفق صيحات لم تكن مطروقة من قبل، بحماية الحاضن ودعمه وتمويله. منها على سبيل المثال؛ تفخيخ جثة ضحية تم قتلها مسبقا، لإيقاع خسائر إضافية حين العثور عليها. او نصب عبوة في جنازة ميت، وغيرها من بنات أفكار (المحضونين) فضلا عن الحاضنين وبمباركتهم طبعا. 

    وبمراجعة سريعة ودراسة سطحية لأحداث العنف والانفجارات التي حدثت في مدن العراق، نجد ان كثيرا منها حدث بإحاطة تامة من حواضن تتمثل بشخوص لهم باع كبير في الدولة والحكومة، او على أقل تقدير لهم اتصال بشكل او بآخر بهما، وقطعا هم الوحيدون الذين يملكون المال والجاه والسلطة -أي القوة والحصانة- للقيام بأفعال كهذه، وتغطيتها ومواراتها عن الأنظار، وإبعاد أصابع الاتهام عنهم. إذ من غير المعقول ان يكون الحاضن منفردا بنشاطاته وفعالياته، مالم تكن هناك (أمهات حاضنات) -إن صحت التسمية- تقف خلف ظهره، توفر له الدعم والإسناد والتأييد، وتتكفل بتهيئة الاستعدادات المادية والبشرية المطلوبة في التخطيط والتمويل والتنفيذ. وهذا ماتكشفه التحقيقات التي تجري مع المتورطين بعمليات إرهابية، كان قد تم القبض عليهم ولكن..! بعد (خراب البصرة). والغريب في الأمر.. أنهم يُعرَضون أمام الملأ في وسائل الإعلام على اختلاف مصادرها، ولطالما تمت الإشارة الى أسماء الشخصيات والجهات التي لها يد في العملية الإرهابية، بشكل مباشر او غير مباشر، ولكن! من دون أن يستشف المواطن من الجهات المعنية إي إجراء بحق تلك الجهات او الشخصيات، يدل على الحرص الصادق في (تجفيف منابع الإرهاب) كما يدعي القادة والساسة في كل محفل. 

  ومن المسلّم به ان الإنسان السوي والمسالم -حصرا- لايجرؤ على حيازة او حمل محذور او محظور من الأسلحة، يتعرض الى المساءلة والعقاب من جراء حمله، لاسيما نحن العراقيين التواقين لروح الألفة والتوادد. كذلك لايعقل ان يصنِّع أحدنا في بيته عبوات او قنابل، فيما هو لايقوى على شراء شيء أكثر من قوت عياله. وعلى هذا فرؤوس العمليات الإرهابية ليسوا من عامة الناس، والبحث عنهم عبر السيطرات (المتواضعة) في الشوارع والساحات لايجدي نفعا. 

   فهل تتعقب جهاتنا المعنية بصدق ومهنية وحيادية من دون محسوبية او (محاباة) باحثة عن هذه الـ (أمهات) من دون خوف من (زيد وعبيد)؟ وهل تتقصى بكل ما لديها من معلومات استخبارية وأمنية، عن كل ما من شأنه تسهيل مهمة القبض على من له يد من قريب او بعيد في عمليات العنف، بغية الوصول الى الجناة الحقيقيين والـ (صماخات) الكبيرة، للحيلولة دون استمرار أعمال العنف، ويتم بهذا قبر الحاضن ووأد المحضون في آن معا؟ لعل هذا يحدث بعد أن رفعت الحكومة عشرات السيطرات من شوارع العاصمة بغداد في الأيام القلائل الماضية، ولو أنها خطوة كان الأجدى بالحكومة أن تقدم عليها قبل حين، وتركز على الجانب الاستخباراتي بشكل اكثر جدية وأوسع انتشارا، لعل البلد ينعم بالأمن والأمان.

aliali6212g@gmail.com