بربريات متطورة

 

للمواقف رجالها وللمواقف صداها حتى وأن بعد زمنها, فشرف الموقف من شرف حامله وشرف حامله من شرف صدق مايدعيه ,فأذا اجتمعت كل هذه الدرجات العالية من الكمال في موقف كان له هذا الخلود المدوي العابر للأزمنة لا لشيء ألا لأن حامله كان صادقا, فما يخلد في ذمة التأريخ هو هذا الصدق الذي لا يضيع معه زمن الموقف ومن صنعه. في قصة حجر بن عدي شيء كثير من هذا الخلود الذي يستعصي على المجاملة, خلود يستمد ديمومته من صدق مدعاه فقد كان معاوية يتبع أسلوبا سياسيا ظن نابليون أنه أكتشفه بعبقريته وعرفه بعد طول تمرس وبعد جني مكاسب ألا وهو ( أن السياسة هي فن اللعب بالرجال) وقد كان خافيا على الفتى الفرنسي أن معاوية سبقه في هذا الفن وأن أختلف تعبيرالأثنين, فشعرة معاوية هي فن لعبه برجال كان يحسن بيعهم وشرائهم, رجال وضعوا نير العبودية في عنق الناس ليحولوا الأمر الى كسروية قيصرية كما عبرأحد المعترضين على سياسة معاوية, وقد حفظ التأريخ لنا قصة ذلك البصري الذي كان ينتظر حكما بالموت بعد فشل تمرد وقد أدخلوه على معاوية فالتفت لأقرانه مبتسما أني سأخرج عليكم أميرا ليمرر رسالته الى معاوية بأخضاع العراق لأمرة أبنه يزيد وسط دهشة معاوية من وجود هكذا أستعداد في أمة لقاح لا تملك, هذا الرجل يعترف لأقرانه أنه وضع النير في عنق الأمة الى يوم القيامة, في جانب أخر كان الأعترض سيد الموقف وأن كان برسائل بين العراق والشام فضحت معاوية لما بها من حق وصدق, رسائل سوف نجد من يشكك في صحة صدورها لينسبها الى الشريف الرضي في محاولة للقفز على حقائق ذلك الزمن وتنسيبها لزمن أخر حتى لا توجه التهمة الى الجناة, لم يكن حجر بن عدي من ذلك النوع الذي يستطيع معاوية أن يلعب به بل أن حجر يمتلك من الحق ومن اليقين ما يقوض سلطان الظالمين , واذا هناك من يعلم ذلك فهو معاوية فحرص على عدم دخوله دمشق فكان ما كان من قصة قتل حجر, وما خفي على معاوية أن الصدق واليقين الذي يحمله حجر لايقتل وهذا ما نراه اليوم فقد ظن من هدموا ضريح حجر ونبشوا قبره أنهم بذلك يهدمون موقفه ويضيعون صدق مدعاه, وكيف ذلك؟ وللصدق ولاية على كل زمان وعلى كل جيل. ما يثير الأستغراب أن يصل التسافل الى هذ الدرجة التي توقعها علي , فقد أخبر أن يخفى قبره لا خوفا على جثته بل خوفا على مباديء طالما دافع عنها علي ,وخوفا على أسلام طالما بناه علي أن يهدم ومبادي أن تنتهك وأخبر عن زمن سيظهر في قبره ,زمن ينقرض فيه المتسافلين,ولكن مخاوف علي تحققت في صاحبه الأقرب حجر بن عدي وسمعنا الناس تهمس أن لا حرمة للأحياء ولا حرمة للقبور والأموات, وكم تمنيت اليوم وأنا أسمع الخبر أن يغير أحد المثقفين قناعته بمخاوف البعض من تهديم مرقد السيدة زينب في بدء أنطلاق الأحداث في سوريا حيث كان رده أن لا مخاوف بهذا الشأن كون الناس تعتاش على السياحة الدينية هناك, ما حدث اليوم يوهن أعتقاد صاحبنا المثقف على ما أظن من مجموعة لا تحسن التعايش مع كل شيء فقد هدمت هذه العقليات تمثالي بوذا في باميان وهدمت مراقد الأئمة في سامراء واليوم تضيف تطورا جديدا لبربريتها ألا وهو نبش القبور, هذه المجاميع لا تحسن العيش مع الأخرين ولا تحسن العيش مع معتقدات وأشياء الأخرين ولا العيش مع مواقف الأخرين حتى وأن كان بينهم الف وأربعمائة سنة , فأن يمروا في غوطة دمشق قرب ضريح حجر المتواضع في بنائه العظيم موقفة هي أدانة لهم ولتاريخهم ولشرعيتهم فعمدوا لما فعلوه اليوم متناسين أن المواقف وصدقها عصي على التهديم وعصيةعلى النبش والتغييب, كان حجربن عدي مخيفا لمعاوية حيا ومخيفا لأتباع معاوية ميتا.